الأربعاء، 30 يونيو 2010

داوود الحوتي ــ مسيرة البحث

ملامح المسرح الليبي المعاصر ــ 11

للكاتب الليبي نوري عبدالدائم

داوود الحوتي ــ مسيرة البحث

داوود الحوتي " من المخرجين الذين اسهموا في إثراء الحركة المسرحية في مدينة بنغازي وهو ضمن القلائل من المخرجين الذين بحق تطلق عليهم ( رجل مسرح) فقد اقتصر إبداعه على المسرح فقط، فلم يلجاء الى المرئية ولا الى الخيالة .

فقد التصقت بداوود صفة المخرج رغم بداياته كممثل مع عمر الحريري عندما كان طفلا سنة 1968م في مسرحية ( بيت الله الحرام) و السيد راضي في مسرحية ( القاعدة والإستثناء ) لبرخت ، وقدمه المخرج سالم فيتور في مسرحية ( الفيل ياملك الزمان ) لسعدالله ونوس. وايضا ضمن المسرحيين القلائل الذين قاموا بمهام المؤسسة فلا يوجد في هذه المدينة أي معهد او كلية تدرس فنون المسرح فبجهوده وجهود زملائه اقيمت العديد من الدورات المسرحية لإيجاد جيل يحمل هذا الهم معهم ، وأيضا هو( المخرج الحاضر) لكل الملتقيات المسرحية والتظاهرات والمهرجانات المحلية وحتى العربية عندما تسعفه الأحوال المادية .

عرفته في النصف الثاني من الثمانينيات بصحبة رفيق دربه المرحوم محمد ابوشعالة . يداوم على حظور الندوات وإثارتها ، فالمرء لا يبدل جهدا كبيرا كي يعلم بوجوده في مهرجان قوامه أكثر من اربعمئة شخص أو أي مكان ، فأثار زوبعته تظل شاهداً على وجوده . اول قادم يقول لك( قال داوود) أو ( من هنا مر داوود) . فهو شخصية ديناميكية يحرك الساكن ، في هذا الملتقى ومنذ اللحظات الأولى التي وطأنا فيها مدينة بنغازي وصلتنا زوبعة مثارة حول مسرحيته الأخيرة ( المستشفى ) ولأنها لم تعرض على هامش الملتقى فقد رتب عرض مرئي بمقر إقامتنا ، توسطنا داوود معتمراً قبعته الشبيهة ب(كاب ) منتشياً بهذا الحشد من المسرحيين الذي جاء كل حسب أسبابه ولكن أغلبهم جاء ليشهد هذه المسرحية التي أثارث كل هذا الضجيج . وعلى هامش ( الملتقى الأول للمسرحيين ) الذي اقيم بمدينة بنغازي ، خلال الفترة 20الى 22 يناير 2004 م .

انتقينا ركنا في مقهى مجاور للمسرح الوطني ولأنه كان متدفقا في حديثه أثرت أدرت جهاز التسجيل. ماذا قدمت لك دراستك في المجر؟. الحوتي :- كانت بدايتي كمخرج بعدما عدت من دورة لمدة سنتين من النمسا فقدمت مسرحية ( طار الحمام ) تأليف وإخراج . بعدها ذهبت للمجر صحبة الكثير من الزملاء.

ألا ترى بوجود قاسم مشترك في الشكل المسرحي لهذه المجموعة؟. الحوتي :- لا أعتقد. فرج ابوفاخرة ، محمد ابوشعالة وأنت من بنغازي. الحوتي :- لابد هنا أن تذكر المجموعة كاملة وبإمكانك تسميتها ( مجموعة المجر) ، فتحي كحلول، سعد حمادي، خليفة الزنتاني، من طرابلس. منصور سرقيوة، فرج بدر، عبدالعزيز الزني من درنه . وإجابة على سؤالك قد التقي انا ومنصور وفتحي بإننا ممثلين ، وقد التقي انا وابوشعالة في الجدية والصرامة، أما تجربتنا وتقييمها فهي مهمة النقاد . فالأكاديمية تعطيك مفاتيح، لكن لاتجعل منك مبدعاً.

تجربتك مع التمثيل هل ساعدتك في التعامل مع الممثل وأنت مخرج ؟ الحوتي :- أنا احب التمثيل ، ومع راي الكثير من المخرجين " كجان فيلار " الذين يقدمون الممثل في اللعبة المسرحية على باقي العناصر. اشتغل على الممثل كثيرا فمنهم الجيد ومنهم من لايستطع ابراز قدراته هنا تكمن مهمتي كمخرج له إطلالة على هذه المهنة من خلال مراقبتي له وإتاحته الفرصة.

والنص؟ الحوتي :- لاقداسة للنص عندي ، عملي الأخير كتبته ركحياً. فالحوار قد يقال بأكثر من صياغة مع المحافظة على المعنى . اشتغلنا على تفكيك النص مثلاً المستشفى بدايته عبارة عن هيكل ثم تطور طبعا استفدنا من الكوميديا دي لارتي فأنا اتعامل مع ممثلين موهوبين وليسو دارسي لهذا الفن فبنغازي لا يوجد فيها معهد عالي ولامتوسط . في سنة 2003م قدمت ثلاث مسرحيات ( خرف يا شعيب ) ( يوسف وياسمينة ) ( والمستشفى ) بروح الفريق صحبة ممثلين أهمهم فرج عبدالكريم ، ميلود العمروني ، خالد الفاضلي ، عبير الترهوني ، ونحاول في الموسم القادم أن نطور هذه الفكرة.

المتعب في هذه التجربة انك تعمل تحت إطار فرق أخرى لايوجد لديها طموح فني بنسبة مئوية يسمح من خلالها إستغلال الخشبة والعرض فيها ، في هذا الملتقى مثلاً لم استطع عرض المستشفى لأني لم أجد قاعة عرض . المهم من خلال تجاربي هذه اشتغلت على التراث والممثل . الذي اريد قوله بأن الفن حرية نحن في المستشفى تكلمنا على الكثير من الظواهر في المجتمع بحرية فالمواطن يحب ان يرى صورته وان تعبر عنه وتلامس همومه في المستشفى فضحنا الكثير من السلبيات التي تحدث في المستشفى .

الا ترى ان هذا النوع لايصمد كثيرا، مثلا في المستشفى ألا ترى بمجرد أن تحل المشاكل في المستشفى تموت المسرحية . الحوتي :- أولا " مش حيتصلح المستشفى" قيلت هذه الجملة بطريقة قاطعة لم اتمالك نفسي من أطلاق ضحكة عالية بدوره تبعني بضحكة اقوى . وأكمل جملته أنت متفائل جدأ ، لو انتهت هذه المشاكل في هذه الحالة فالفنان قام بدوره كمشكلة المرتبات مثلاً من الضروري أن نتكلم عنها كفنان بحيث تنزل في موعدها إذا ماسمعت كلمتي بهذا أنا قمت بدوري أيضا.

هذا شكل من أشكال المسرح الى أي مدى ستستمر فيه ألا توجد لديك أعمال لها اسئلتها الجوهرية . الحوتي :- أنا تنقلت مابين تراث" الفريد فرج ، وشكسبير ، ويونسكو ، وعزيز ناسين ، وبنتر ومحمود دياب " الذي احبه كثيراً ..... وإعود لداوود أنا كنص أكتب لنفسي لم أخرج لأي كاتب ليبي لعلمك ، عندما أعمل لكاتب ليبي اشتغل لداوود .

فيه أسماء مهمة في المسرح الليبي ألم يكونوا ضمن نطاق ذائقتك؟ الحوتي :- أنا شغوف بأن أقدم أعمال لكتاب مثل " لوركا وتشيكوف .

من شكل ذائقة داوود المسرحية ؟ . الحوتي :- لا أستطيع القول المجر ربما لأني بقيت فيها مدة أطول إجمالاً المسرح الأوربي أعطاني مفاتيح وتجربة الحياة . المخرج( كازمير كارو ) علمني القدسية لهذه المهنة . كما تعلمت كلمة أخرى " إني اتعلم القاعدة لأرفضها " تتعلم القاعدة لتتمرد عليها ، أضافة للكتاب رحلات مع إتخاذ موقف مما تراه حولك فالفنان موقف . الفنان تأمل للواقع والتعامل معه بصدق في إنتاجه . أنا أعبر بصدق لتستقبلني الناس بصدق . مع الأسف لايوجد لدينا نقاد ، كما أن الكثيرين الذين يتكلمون لا يعملون ..إني أفكر بصياغة قرار مفاده " الذي لايقدم في السنة أكثر من عمل لا أتكلم معه . أنا لا أقصد ........ أتكلم على المبدّعين.

تفضل خذ راحتك . الحوتي :- المدعي الذي لايعمل ولا يريدك تعمل ....... طبعا فيه أسماء رائعة التي واكبتنا طيلة هذه الأعمال مثل د. محمد المفتي علما بأني لم أوافقه في كثير من أرائه لكنه مجتهد ومتابع للتدريبات . د . محمد قصيبات . تجربتي لو في مكان أخر في دولة عربية لأخذت نصيبها من الأهتمام ، ظلت هذه التجربة حبيسة مدينة بنغازي ، وعدم حب الوسط الفني لهذه التجربة الجديدة.

أستاذ " داوود " لست ملزماً بحب أعمالك ربما تكون ذائقتنا مختلفة . ربما هذه الأصوات المضادة كما تسميها أنت ، هي المحفز للإنتاج . الحوتي :- الأصوات التي احكي عنها هدامة للعملية الفنية ، أصوات غير منتجة وتقف في وجهك كي لاتنتج . شاهدنا كثير من الأعمال الأخرى . الحوتي :- أجل يوجد ..... لكن " داوود " فقط من انتج ثلاث أعمال في موسم مسرحي .

كثير من المخرجين يمارسون الغياب لأكثر من ثلاث سنوات . الحوتي :- أنا غبت ثلاث سنوات ....ولكن قدمت بعده هذا الكم والكيف ايضاً ولكنهم لم يستقبلوني من جانب أخر يحتفون بعمل أخر لأنه لايفضح تجربتهم . أنا مع من يعمل ويقدم تجربته حتى لو كانت مخالفة لتجربتي، ومع الوضوح .

هذه الأثارة وهذه الزوبعة كما تسميها أعتبرها ظاهرة صحية ومحفزة للعمل ، لسبب واحد وهو تجهيزك لعمل أخر . الحوتي :- هؤلا لا يستوقفوني فأنا اعمل خارج سربهم ، خذ مثلا مسرحية ( خرف ياشعيب ) ظلت ست سنوات عند ميلود العمروني وقدمت الأن.

ربما لأنك تنتظر في " ميلود العمروني " كممثل مطلوب . الحوتي :- ليس فقط ، أنا لا أملك مسرح في تلك الفترة ، وعندما توليت إدارة المسرح الشعبي أخرجت ( خرف ياشعيب) الأن لا أملك خشبة اعمل فيها .

هذا طلب تعجيزي ، تصور أن كل مخرج يطالب بخشبة مسرح . الحوتي :- لا .... على الإطلاق .... المسألة محتاجة لتنظيم إداري كل مخرج ، فيه الكثير من المسارح لاتعمل لماذا لايتعاقب على أدارتها الكثير من المخرجين ، أنا لا أعني الأدارة بمفهومها البيروقراطي ، فقط يتاح للمخرج بالعمل في هذه الفرقة ، وأيضا الإعلام هدر الكثير من الأموال لماذا لاينشيء قاعات عرض .أنا عندي سؤال وهذا أدرجته في ورقتي وهو بأنه لاإرادة لتأسيس مسرح .

هل تقصد بأن مؤسسات الدولة لاتريد مسرح ؟ الحوتي :- أتصور هكذا أو ربما المسرح ليس من ضمن أولوياتها ؟ الحوتي :- ممكن.... أنا أتفق معك في هذا ......وربما المسؤل لايحب النقد ، كما حدث معي في المستشفى .
من يحفّز داوود للعمل .... ممثل مبدع تحب أن تعمل معه ... نص يأسرك .... كاتب ما ؟ الحوتي :- " داوود " يحفز" داوود " ... أنا عندي همي .. الممثلون وسائل ، هؤلا ريشتي التي أرسم بها . انا انطلق من المتلقي وأنتظر المتلقي ، حتى أعمال المهرجانات التي قدمتها تلامس هم المتلقي وأحيانا تعرض لمرة واحدة ثم توقف ولا تعطى فرصة أخرى للعرض .

هل تعتقد أن المسألة شخصية لأنك " داوود " تواجه هذه العقبات ؟ . الحوتي :- لا ليست عقبات كي لاأفهم خطاء . أنا اشعر بالفخر وناجح . ولكني أكتشفت المدّعين . أنا في قمة نجاحي بالذات في هذه الفترة . وأيضا فيه الكثير من المسؤلين كانوا في صفنا ولجنة النصوص أيضاً مثقفين ثوريين كانوا بجانبنا ..... أنا أريد ان أقول عندما ترفع قضية في عملي دليل على نجاحي .

كل أعمالي تثير في زوبعة . ربما أنت نفسك تقوم بإختراع هذه الزوبعة وتصنعها ؟ الحوتي :- على الأطلاق ...... أعمالي هي التي تثير الزوابع أنا أبعد الناس عن اللقاءات الصحفية والإعلامية . أنا لا أعاني من الأضطهاد أريد أن أقول بأن تجربتي لو كانت في وسط مثقف وواعي لتم إحتضانها ، مثلما أحتضنت تجربة " محمد إدريس ، وفاضل الجعايبي وفاضل الجزيري .

ألا تعتقد بتأثير فاضل الجعايبي على أعمالك ؟ الحوتي :- لا أعتقد .... أنا أحب أعمال " فاضل الجعايبي " ، ولكني لست متتبعا لأعماله كله ، شاهدت له عملين ( كوميديا) و ( فامليا ) .... لا أعلم ربما تأثرت به بطريقة غير مباشرة ." فاضل الجعايبي " أثر في الكثير من الكتاب مثل "منصور أبوشناف وعلي الفلاح " . ( كلام نساوين ) مثلا.

منصور " كتبها قبلما يشاهد " فاميليا ". الحوتي :- لاأعلم هل يوجد ملمح لمسرح ليبي ؟ الحوتي :- طبعا يوجد ملمح .... خذ مثلاً تجربة " محمد العلاقي " .... فيه تجارب في الإخراج والنص. المسرح أراه في رؤيته لهموم المواطن الليبي والتعبير عنه ،( السعداء ) مثلاً من النصوص المهمة التي أحبها في أعمال " منصور " ، نصاً و عرضاً أيضاً ، وأعمال كثيرة لا أذكرها . فيه أعمال لم ترى النور ، وتجاهل المرئية للمسرح . لكني أحترم التجربة الليبية حتى على الساحة العربية لسنا سيئين.

متفائل يا أستاذ داوود؟ الحوتي :- جداً جداً ومتفائل بالجمهور بالذات . أخيرا أقول بأن المسرح في مدينة بنغازي بخير وبإمكاننا أن نكون أفضل والتجربة الليبية بصفة عامة بخير . وعلينا أن نناضل من أجل ترسيخ والتأكيد على المهرجانات الوطنية في مدينة بنغازي ومدينة طرابلس فقط . لأن تجربة السنة الماضية لمهرجان البيضاء مؤسفة .

السيرة المسرحية:

داوود الحوتي من مواليد دريانة 1955م بمدينة بنغازي . تحصل على جائزة أفضل مخرج مسرحي في المهرجان الوطني السابع للفنون المسرحية 1997م.

· مسرحية " طار الحمام " 1980م تأليف وإخراج.

· مسرحية " كان ياماكان " 1984 م تأليف وإخراج.

· مسرحية " راس المملوك جابر " 1986م تأليف سعدالله ونوس.

· مسرحية " الفرافير " 1987م تأليف يوسف إدريس .

· مسرحية " حلم ليلة صيف " 1989م تأليف وليم شكسبير .

· مسرحية " المرتجلة " 1992 تأليف أوجين يونسكو.

· مسرحية " من العطس ماقتل " 1992م تأليف أمين باكير.

· مسرحية " الحارس " 1993تأليف هارولد بنتر .

· مسرحية " مسافر ليل " 1997تأليف صلاح عبد الصبور .

· مسرحية " أمراجع الكسلان " 1997م تأليف الفريد فرج .

· مسرحية " لست أنت جارا " 1999م تأليف عزيز نسين .

· مسرحية " يوسف وياسمينة " 2003 م تأليف الفريد فرج .

· مسرحية " خرف ياشعيب " 2003 إعداد وإخراج. مسرحية " المستشفى " تأليف وإخراج .