الأحد، 28 مارس 2010


مسرحية عبثية تبرز في مهرجان موسكو الدولي


******************


رسالة الفنان الكبير الراحل سعد الله ونوس

في يوم المسرح العالمي
27 آذار 1996


كلفني المعهد الدولي للمسرح، التابع لليونسكو، بكتابة " رسالة يوم المسرح العالمي " لعام 1996 وقد كتبتُ الرسالة التالية، التي ترجمت إلى لغات العديد من بلدان العالم ، وقرئت على مسارحها

" إننا محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ "

لو جرت العادة على أن يكون للاحتفال بيوم المسرح العالمي، عنوانا وثيق الصلة بالحاجات، التي يلبيها المسرح، ولو على مستوى الرمزي، لاخترت لاحتفالنا اليوم هذا العنوان " الجوع إلى الحوار " . حوار متعدد،مركب، وشامل. حوار بين الأفراد، وحوار بين الجماعات. ومن البديهي أن هذا الحوار يقتضي تعميم الديمقراطية، واحترام التعددية، وكبح النزعة العدوانية عند الأفراد والأمم على السواء. وعندما أجس هذا الجوع، وأدرك إلحاحه وضرورته، فإني أتخيل دائماً، أن هذا الحوار يبدأ من المسرح، ثم يتموج متسعاً و متنامياً، حتى يشمل العالم على اختلاف شعوبه، وتنوع ثقافاته. وأنا أعتقد، أن المسرح، ورغم كل الثورات التكنولوجية، سيظل ذلك المكان النموذجي، الذي يتأمل فيه الإنسان شرطه التاريخي والوجودي معاً.

وميزة المسرح التي تجعله مكاناً لا يُضاهى، هي أن المتفرج يكسر فيه محارته، كي يتأمل الشرط الإنساني في سياق جماعي يوقظ انتماءه إلى الجماعة، ويعلّمه غنى الحوار وتعدد مستوياته. فهناك حوار يتم داخل العرض المسرحي، وهناك حوار مضمرٌ بين العرض والمتفرج. وهناك حوار ثالث بين المتفرجين أنفسهم .. وفي مستوى أبعد، هنا كحوار بين الاحتفال المسرحي " عرضاً وجمهوراً " وبين المدينة التي يتم فيها هذا الاحتفال. وفي كل مستوى من مستويات الحوار هذه، ننعتق من كآبة وحدتنا، ونزداد ‘إحساساً ووعياً بجماعيتنا.

ومن هنا، فإن المسرح ليس تجلياً من تجليات المجتمع المدني فحسب، بل هو شرط من شروط قيام هذا المجتمع، وضرورة من ضرورات نموه وازدهاره. ولكن عن أي مسرح أتكلم ! هل احلم، أم هل أستثير الحنين إلى الفترات التي كان المسرح فيها بالفعل حدثاً يفجر في المدينة الحوار والمتعة ! لا يجوز أن نخادع أنفسنا، فالمسرح يتقهقر. وكيفما تطلعتُ، فإني أرى كيف تضيق المدن بمسارحها، وتجبرها على التقوقع في هوامش مهملة ومعتمة، بينما تتوالد وتتكاثر في فضاءات هذه المدن الأضواء، والشاشات الملونة، والتفاهات المعلبة. لا أعرف فترة عانى فيها المسرح مثل هذا العوز المادي والمعنوي. فالمخصصات التي كانت تغذيه تضمر سنة بعد سنة، والرعاية التي كان يحاط بها، تحولت إلى إهمال شبيه بالازدراء، غالباً ما يتستر وراء خطاب تشجيعي ومنافق.

وما دمنا لا نريد أن نخادع أنفسنا، فعلينا الاعتراف، بأن المسرح في عالمنا الراهن بعيد عن أن يكون ذلك الاحتفال المدني، الذي يهبنا فسحة للتأمل، والحوار، ووعي انتمائنا الإنساني العميق. وأزمة المسرح، رغم خصوصيتها، هي جزء من أزمة تشمل الثقافة بعامة. ولا أظن أننا نحتاج إلى البرهنة على أزمة الثقافة، وما تعانيه هي الأخرى من حصار وتهميش شبه منهجيين. وإنها لمفارقة غريبة أن يتم ذلك كله، في الوقت الذي توفرت فيه ثروات حولت العالم إلى قرية واحدة، وجعلت العولمة واقعاً يتبلور، ويتأكد يوماً بعد يوم. ومع هذه التحولات، وتراكم تلك الثروات، كان يأمل المرء، أن تتحقق تلك اليوتوبيا، التي طالما حلم بها الإنسان.

يوتوبيا أن نحيا في عالم واحد متضافر. تتقاسم شعوبه خيرات الأرض دون غبن، وتزدهر فيه إنسانية الإنسان دون حيفٍ أو عدوان.ولكن .. يا للخيبة! فإن العولمة التي تتبلور وتتأكد في نهاية قرننا العشرين، تكاد تكون النقيض الجذري لتلك اليوتوبيا، التي بشر بها الفلاسفة، وغذت رؤى الإنسان عبر القرون. فهي تزيد الغبن في الثروات وتعمق الهوة بين الدول الفاحشة الغنى، والشعوب الفقيرة والجائعة. كما أنها تدمر دون رحمة، كل أشكال التلاحم داخل الجماعات، وتمزقها إلى أفراد تضنيهم الوحدة والكآبة. ولأنه لا يوجد أي تصور عن المستقبل، ولأن البشر وربما لأول مرة في العالم، لم يعودوا يجرؤن على الحلم فإن الشرط الإنساني في نهايات هذا القرن يبدو قاتماً ومحبطاً.

وقد نفهم بشكل أفضل مغزى تهميش الثقافة، حيث ندرك أنه في الوقت الذي غدت فيه شروط الثورة معقدة وصعبة، فإن الثقافة هي التي تشكل اليوم الجبهة الرئيسية لمواجهة هذه العولمة الأنانية، والخالية من أي بعدٍ إنساني. فالثقافة هي التي يمكن أن تبلور المواقف، التي تعري ما يحدث وتكشف آلياته. وهي التي يمكن أن تعين الإنسان على استعادة إنسانيته، وأن تقترح له الأفكار والمثل، التي تجعله أكثر حرية ووعياً وجمالاً.

وفي هذا الإطار، فإن للمسرح دوراً جوهرياً في إنجاز هذه المهام النقدية والإبداعية، التي تتصدى لها الثقافة. فالمسرح هو الذي سيدرّبنا، عبر المشاركة والأمثولة، على رأب الصدوع والتمزقات التي أصابت جسدالجماعة. وهو الذي سيحيي الحوار الذي نفتقده جميعاً. وأنا أؤمن أن بدء الحوار الجاد والشامل، هو خطوة البداية لمواجهة الوضع المحبط الذي يحاصر عالمنا في نهاية هذا القرن .

إننا محكومون بالأمل. وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ. منذ أربعة أعوام وأنا أقاوم السرطان. وكانت الكتابة، وللمسرح بالذات، أهم وسائل مقاومتي. خلال السنوات الأربع، كتبت وبصورة محمومة أعمالاً مسرحية عديدة. ولكن ذات يوم، سئلت وبما يشبه اللوم: ولمَ هذا الإصرار على كتابة المسرحيات، في الوقت الذي ينحسر المسرح، ويكاد يختفي من حياتنا! باغتني السؤال، وباغتني أكثر شعوري الحاد بأن السؤال استفزني، بل وأغضبني. طبعاً من الصعب أن أشرح للسائل عمق الصداقة المديدة، التي تربطني بالمسرح، وأنا أوضح له، أن التخلي عن الكتابة للمسرح، وأنا على تخوم العمر، هو جحود وخيانة لا تحتملها روحي، وقد يعجلان برحيلي.

وكان عليّ لو أردت الإجابة أن أضيف، " إني مصرّ على الكتابة للمسرح، لأني أريد أن أدافع عنه، وأقدّم جهدي كي يستمر هذا الفن الضروري حياً ". وأخشى أنني أكرر نفسي، لو استدركت هنا وقلت :" إن المسرح في الواقع هو أكثر مكن فن، إنه ظاهرة حضارية مركّبة سيزداد العالم وحشة وقبحاً وفقراً، لو أضاعها وافتقر إليها ". ومهما بدا الحصار شديداً، والواقع محبطاً، فإني متيقن أن تظافر الإرادات الطيبة، وعلى مستوى العالم، سيحمي الثقافة، ويعيد للمسرح ألقه ومكانته.
...........................

سعد الله ونوس في سطور

ولد سعد الله ونوس في قرية حصين البحر في محافظة طرطوس بسورية عام 1941. درس الصحافة في القاهرة وتخرّج عام 1963، وعمل محرراً للصفحات الثقافية في صحيفتي " السفير " اللبنانية و" الثورة " السورية. كما عمل مديراً للهيئة العامة للمسرح والموسيقى في سوريا، في أواخر الستينيات، سافر إلى باريس ليدرس فنّ المسرح.

اكتنفت مسرحياته نقداً سياسياً اجتماعياً للواقع العربي بعد صدمة المثقفين إثر هزيمة 1967 وتوقف النقاد كثيراً عند مسرحيته «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» التي اعتبرت نقطة تحول رائدة في المسرح الواقعي. وفي أواخر السبعينيات، أسهم ونوس بإنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق.

أصدر مجلة «الحياة المسرحيّة»، وعمل رئيساً لتحريرها. من العام 1978 حتى 1988. توفي في 15 أيار (مايو) 1997، بعد صراع خمس سنوات مع مرض السرطان.واستسلم في يوم الذكرى الـ49 لنكبة فلسطين، رحل كي لا يشهد على احتفاء جديد بألمنا كما كان يردّد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن مواقع مسرحية مختلفة

دينش: كل يوم هو يوم للمسرح

الممثلة البريطانية تكتب عن فن الإلهام والإنسانية


اليوم العالمي للمسرح
دينش: كل يوم هو يوم للمسرح
الممثلة البريطانية تكتب عن فن الإلهام والإنسانية

إعداد - منى كريم

قبل 49 عاماً اقترح المعهد الفنلندي للمسرح، في اجتماع معهد المسرح العالمي، أن يتم تخصيص يوم للمسرح كل عام، ليحصد هذا الاقتراح تأييد المعاهد والمراكز الثقافية الإسكندنافية، ومن بعدها الأوروبية خاصة الفرنسية. اليوم اختير مصادفاً لمهرجان مسرح الشعوب الذي يقام في باريس في مارس من كل عام، ويتم اختيار أحد رموز المسرح حول العالم ليكتب كلمة يعبّر فيها عن مفهومه للمسرح وتجربته فيه، مؤكداً ارتباط المسرح بالإنسانية والسلام، ثم يدعو المعهد العالمي للمسرح الجميع إلى قراءة هذه الكلمة، ومن ثم القيام بأي نشاط مسرحي كطقوس متفق عليها للاحتفال بهذا اليوم.

في العام الماضي اختار المعهد العالمي للمسرح ITI البرازيلي أوغستو بوال، وهو مؤسس مسرح المضطهدين الذي قال في كلمته: «في الأعوام الماضية المليئة بالحروب، كان كل شيء يشبه عرضاً مسرحياً رديئاً. إننا حين ننظر إلى باطن الأشياء نجد القاهرين والمقهورين موجودين في كل المجتمعات والجماعات الإثنية، وفي كل الطبقات والتصنيفات الاجتماعية، نرى عالماً قاسياً وظالماً يجب أن نجد له بديلاً، لأننا نعلم أن ذلك ممكن، وأن ذلك رهن إرادتنا من خلال نشاطنا على خشبة المسرح، مسرح حياتنا الخاصة. دعونا نشارك في هذا العرض الذي يوشك أن يبدأ، وبمجرد أن تعودوا إلى منازلكم، مارسوا تمثيل عروضكم الخاصة مع أصدقائكم، لتدركوا تلك الأشياء التي لم تكونوا قادرين من قبل على رؤيتها، برغم أنها واضحة وضوح الشمس، فالمسرح ليس مجرد حدث نعايشه، بل هو أسلوب وطريقة حياة. إننا جميعاً ممثلون، فأن تكون مواطناً لا يعني مجرد العيش في مجتمع ما، إنما يعني السعي إلى تغييره.

أما هذا العام فقد اختار المعهد، جودي دينش، لكتابة كلمة يوم المسرح العالمي الذي يُحتفل به سنويا في الـ27 من مارس، لتنضم إلى قائمة الـ48 مسرحياً ممن كتبوا الكلمة منذ العام 1962 مع الكاتب المسرحي جان كوكتو. دينش ممثلة سينمائية ومسرحية وتلفزيونية جاء ظهورها المسرحي الأول كمحترفة في العام 1957، وبعد هذا التاريخ شاركت في مسرحيات عديدة عن نصوص شكسبير، وجسدت أدواراً كأوليفيا، جولييت، الليدي مكبث.

وفي تلك الفترة كانت فترة اشتغالها ونشاطها على المسرح، حيث عرفت، وعلى مدى عقدين، كأكثر ممثلة مسرح أهمية في المسرح الإنجليزي، وذلك خلال عملها مع فرقة المسرح الوطني، وفرقة شكسبير الملكية. عرفت كممثلة تلفزيونية في مسلسلها «الرومانسية اللطيفة» التي استمرت من العام 1981وحتى 1984، ومسلسلها الرومانسي "الوقت يمرّ" الذي بدأ بثه في العام 1992. وجاء ظهور دينش السينمائي نادراً، حتى وقت مشاركتها في فيلم "العين الذهبية" من سلسلة أفلام جيمس بوند (1995)، التي استمرت مشاركتها في أجزائها اللاحقة، والتي أتاحت لها المشاركة في أفلام حصدت بها جوائز كالدور التي جسدت فيه شخصية الملكة فيكتوريا في فيلم السيد براون (1997)، وفيلمها ذائع الصيت "شكسبير عاشقاً" الذي جسدت فيه دور الملكة اليزابيث الأولى، وحققت بدورها جائزة الأوسكار عن أفضل ممثلة، بعد أن كانت الممثلة البريطانية الأكثر ترشحاً للجائزة لست مرات.

وتعد دينش أفضل ممثلة إنجليزية عقب مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بل انها دائماً ما تتصدر قائمة أفضل ممثلة في استطلاعات الرأي. ولكونها مبدعة فإنها رشّحت لجوائز عديدة في المسرح، التلفزيون والسينما، وحصلت لعشر مرات على جائزة الأكاديمية البريطانية لفنون التلفزيون والسينما، وسبع مرات جائزة لورنس أوليفر، ومرتين جائزة نقابة الممثلين، وجائزتي قولدين قلوبز، وغيرها من الجوائز. تزوجت منذ العام 1971 من زميلها الممثل البريطاني مايكل وليامز، واستمر زواجهما حتى وفاته في 2001، وأثمر هذا الزواج عن ابنة وحيدة هي الممثلة فينتي وليامز.

قدمت دينش عروضها المسرحية في أكثر خشبات المسرح البريطانية، بينما كانت تجربتها الأولى كمخرجة في العام 1988، مع فرقة مسرح النهضة. أما النقلة التي جعلت منها ممثلة معروفة على مستوى العالم فكانت مشاركتها في فيلم جيمس بوند التي كان بطل الممثل بيرس بروسنان (العين الذهبية)، وهي الوحيدة من ممثلي الفيلم التي استمرت مع أجزاء السلسلة حتى العام 2008. دينش حاصلة على زمالة شرفية لكلية لوسي كيفيندش، وحصلت في العام 1996 على دكتوراه شرفية من جامعة سوري، ودكتوراه شرفية في الآداب من جامعة دورهام، وجامعة سان أندرو.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن موقع "أوان"

السبت، 27 مارس 2010



في يوم المسرح العالمي

بقلم/ بعـيو المـصراتي

مع الفنان مصطفي المصراتي في مسرحية " بعد العشرة تبان الناس " إقتباس وتليب الفنان المرحوم سليمان المبروك، عن مسرحية " قطط وفئران " للكاتب علي أحمد باكثير، ومن إخراج الفنان مصطفي المصراتي، إنتاج المسرح الحر – طرابلس 1984.


يحتفل المسرحيون في كل أنحاء العالم يوم 27 "آذار" مارس من كل عام بيوم المسرح العالمي، فتقدم في هذا اليوم العروض المسرحية والفنية علي خشابات المسارح، وفي الساحات، والشوارع، والمقاهي، مجسدين التلاحم بين الفنانين والمبدعين، هواةً كانوا أو محترفين أو حتى مبتدئين، إنها طقوس مشهديه تعبر فيها الجماهير والناس والمتفرجين عن أرائهم وحرياتهم، عن فقرهم وعن جوعهم وكذلك عن معاناتهم وآلامهم، أنها تظاهرة شعبية تدق فيها الطبول، وتصدح فيه الموسيقي بكل أشكالها وأنواعها، فهل يحضى المواطن العربي بالاستمتاع بهذا اليوم بعيداُ عن الاحتفالات المسيسة والبرتوكولات الروتينية المعتادة، برقابة بشرية مقيدة تمنع الإبداع العفوي التلقائي من الخروج عن خط السير، فيا لها من احتفالية مكبلة هذا إن وجدت، فهي في الغالب يتم تجاهلها دائماُ ونبذها من قائمة أجندات الساسة و المهيمنين علي السلطة والطابور الخامس.

فليتحرر الفنان وليطلق العنان لكل المبدعين والمثقفين وكذلك المشاهدين والمتفرجين في وطننا العربي من الماء إلي الماء*، في يوم المسرح العالمي، لنقل وبأعلى أصواتنا ليسمعها كل العالم صرخة واحدة، لا لكتم الأفواه وخرس الأصوات، لا لكبت الأفكار وقيد الحريات ففي هذا اليوم عيدها، والمسرح بدأ حراُ وسيبقي أمد الدهر حراُ، والشعوب ولدت حرة وستبقي دائماً حرة.

بعيداُ عن الأحلام والأمنيات، و حثي لا يقال عن الفنانين والمسرحين أصحاب خطب (بياعين كلام) على الأخشاب، دعونا نسترجع مرة أخرى لنذكر بنشأة المسرح وبدايته فهي لها حكايات كثيرة، وروايات افتراضية عديدة، وربما الحكاية المتداولة أو المنقولة وهي التي تأخذ شكل السرد الأسطوري والفرجوي، هي ما تشد الانتباه: ” في إحدى ليالي ذاك الزمن القديم، تجمّع رجال في مقلع للحجارة طلباً للدفء حول نار مشتعلة وتبادل القصص والأحاديث. وفجأة، خطر في بال أحدهم الوقوف واستخدام ظله لتوضيح حديثه. ومن خلال الاستعانة بضوء اللهيب، استطاع أن يُظهر على جدران المقلع شخصيات أكثر جسامة من أشخاص الواقع. فانبهر الآخرون، وتعرّفوا من دون صعوبة إلى القوي والضعيف، والظالم والمظلوم، والإله والإنسان البائد. وفي أيامنا هذه، حلت مكان نيران المباهج التي توقد في المناسبات الخاصة والأعياد الأضواء الاصطناعية، وجرى الاستعاضة عن جدران المقلع بآلات المسرح المتطورة “. ويكيبيديا

حتى النصف الأول من أربعينيات القرن الماضي، لم يكن للمسرح رغم قدمه وأهميته كيان تنظيمي يأخذ على عاتقه مركزية العمل وبهدف تعزيز وتوسيع العلاقات بين مسارح العالم وتبادل التجارب والخبرات، وفي سنة 1941 وبمبادرة من اليونسكو انبثقت أول لجنة تحضيرية للمركز العالمي للمسرح وتضم كل من " فرانسومو وجون بريستلي "، ثم نالت إعجاب هذه الفكرة وجوها مسرحية جديدة مثل الفنان العالمي " جان لوي " الذي كلف لاحقا بإلقاء كلمة يوم المسرح العالمي و" ارمات سلاكوف " مؤلف مسرحية ليالي الغضب وآخرين، وتمت مناقشة مسودة برنامج المركز الدولي للمسرح، وبعد مداولات كثيرة أسفرت عن عقد مؤتمر في براغ عام 1948، الذي تكللت أعماله بالنجاح متمخضا عن ولادة المركز العالمي للمسرح، الذي اتخذ من باريس مقرا له، وانضوى تحت لوائه ومظلته فيما بعد، ما يقارب على الستين مركزا مسرحيا تتولى نشاطات وفعاليات هذا المركز، بدءاً بإصدار مجلة للمسرح العالمي ونشر دراسات وأبحاث، وتعزيز العلاقات ما بين المسرحيين وتطوير قدراتهم ومؤهلاتهم، من خلال البعثات الفنية المشاركة في الندوات والمؤتمرات المسرحية.

ويذكر بأن الحدث المهم في حياة ومسيرة هذا المركز، يوم اجتمع عدد غير قليل من المسرحيين في فيينا عام 1961، وحددوا يوما للاحتفال بيوم المسرح العالمي، حين وقع اختيارهم على 27 آذار موعد افتتاح مسرح (سارة برنارد) ومنذ ذلك التاريخ تشهد مسارح العالم احتفالات بهذه المناسبة وسمي هذا اليوم بيوم المسرح العالمي.

وفي 27/ مارس / 1962 تم تكليف الفنان الفرنسي المعروف " جان كوكتو " بكتابة أول رسالة ليوم المسرح العالمي، ثم تطورت الفكرة متحولة إلى تقليد سنوي وتكريم رفيع المستوى، يتم على وفقه اختيار وتكليف أحد المسرحيين، بتميزه ومكانته الفنية وانجازاته الإبداعية وعطائه الفريد و اللا محدود، لكتابة رسالة يوم المسرح العالمي، وقد جرت العادة دوليا على تنظيم المؤسسات المسرحية مختلف الأنشطة الفنية، من عروض مسرحية ومعارض فنية، وندوات ثقافية، وملتقيات مسرحية. وجدير بالذكر والمتعارف عليه بأن رسالة يوم المسرح العالمي تقرأ في أرجاء العالم بتمام الساعة السابعة مساء تقريباً بتوقيت غرينتش في مقر منظمة اليونسكو بباريس.

في هذه السنة 27 مارس 2010م، كانت هذه الرسالة المسرحية من نصيب الممثلة البريطانية جودي دينش، والتي ستقول وحسب ما نشر على شبكات الانترنت: ” يوم المسرح العالمي فرصة للاحتفاء بالمسرح بشتى أشكاله وأنواعه، فالمسرح مصدر للترفيه والإلهام، وهو القادر على توحيد مختلف الثقافات والحضارات و الناس في هذا العالم، بل هو أكثر من ذلك حيث يوفر أيضاً الفرص للتعليم والمعرفة. يجري تقديم العروض المسرحية في مختلف بقاع الأرض، وليس بالضرورة أن يكون بالشكل التقليدي، إذ يمكن أن يقدم حتى في أي قرية صغيرة في مجاهل أفريقيا، أو قريباً من الجبال في أرمينيا، أو حتى على جزيرة صغيرة في المحيط الهادي. فهو لا يحتاج سوى لمكان ولجمهور..وهو القادر على جعلنا نبتسم، وجعلنا نبكي، ولكن! لا بد له من أن يحفز فينا ملكة التفكير والتأمل “.

واليوم وأنا أعد هذه الورقة بمناسبة يوم المسرح العالمي، رأيت من واجبي ومن باب التدوين والتوثيق وزيادة الإطلاع والمعرفة والتعرف، أن أدرج هنا بعض المقاطع والرسائل التي كتبها عددٍ من الشخصيات العربية المعروفة بتميزها وحضورها المسرحي في يوم المسرح العالمي، كرسالة الفنان والكاتب الكبير الراحل السوري سعد الله ونّوس، والكاتبة المصرية فتحية العسال، وحاكم الشارقة والكاتب المسرحي الدكتور سلطان القاسمي.

سأبدأ برسالة الفنان الكبير الراحل سعد الله والنوس والتي كانت بتاريخ 27 مارس 1996 : ” لو جرت العادة على أن يكون للاحتفال بيوم المسرح العالمي، عنوانا وثيق الصلة بالحاجات، التي يلبيها المسرح، ولو على مستوى الرمزي، لاخترت لاحتفالنا اليوم هذا العنوان " الجوع إلى الحوار " . حوار متعدد، مركب، وشامل. حوار بين الأفراد، وحوار بين الجماعات. ومن البديهي أن هذا الحوار يقتضي تعميم الديمقراطية، واحترام التعددية، وكبح النزعة العدوانية عند الأفراد والأمم على السواء. وعندما أجس هذا الجوع، وأدرك إلحاحه وضرورته، فإني أتخيل دائماً، أن هذا الحوار يبدأ من المسرح، ثم يتموج متسعاً و متنامياً، حتى يشمل العالم على اختلاف شعوبه، وتنوع ثقافاته. وأنا أعتقد، أن المسرح، ورغم كل الثورات التكنولوجية، سيظل ذلك المكان النموذجي، الذي يتأمل فيه الإنسان شرطه التاريخي والوجودي معاً.

وميزة المسرح التي تجعله مكاناً لا يُضاهى، هي أن المتفرج يكسر فيه محارته، كي يتأمل الشرط الإنساني في سياق جماعي يوقظ انتماءه إلى الجماعة، ويعلّمه غنى الحوار وتعدد مستوياته. فهناك حوار يتم داخل العرض المسرحي، وهناك حوار مضمرٌ بين العرض والمتفرج. وهناك حوار ثالث بين المتفرجين أنفسهم .. وفي مستوى أبعد، هنا كحوار بين الاحتفال المسرحي " عرضاً وجمهوراً " وبين المدينة التي يتم فيها هذا الاحتفال. وفي كل مستوى من مستويات الحوار هذه، ننعتق من كآبة وحدتنا، ونزداد ‘إحساساً ووعياً بجماعيتنا. إننا محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ. منذ أربعة أعوام وأنا أقاوم السرطان. وكانت الكتابة، وللمسرح بالذات، أهم وسائل مقاومتي. خلال السنوات الأربع، كتبت وبصورة محمومة أعمالاً مسرحية عديدة. ولكن ذات يوم، سئلت وبما يشبه اللوم: ولمَ هذا الإصرار على كتابة المسرحيات، في الوقت الذي ينحسر المسرح، ويكاد يختفي من حياتنا! باغتني السؤال، وباغتني أكثر شعوري الحاد بأن السؤال استفزني، بل وأغضبني. طبعاً من الصعب أن أشرح للسائل عمق الصداقة المديدة، التي تربطني بالمسرح، وأنا أوضح له، أن التخلي عن الكتابة للمسرح، وأنا على تخوم العمر، هو جحود وخيانة لا تحتملها روحي، وقد يعجلان برحيلي “.

ثم رسالة الكاتبة المبدعة فتحية العسال، والتي كانت بتاريخ 27 مارس 2004 : ” المسرح أب الفنون هذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان. لذلك كتبت إهداء له.. عشقي الأول والأخير. لقد آمنت بأن أهم ما يميز الكاتب المسرحي هو امتلاء روحه برسالة إنسانية سامية ينشرها بين الناس من أجل الارتقاء بحياتهم وتحريرهم من كل عوامل القهر والاستغلال وانتهاك الكرامات. ولكي يبلغ هذا الكاتب رسالته ويؤثر في حياة الناس، لابد له من إتقان صنعته والسيطرة على أساليب التعبير الفني، وإلا تتبدد رسالته إدراج الرياح دون أن تخلف ورائها أثرا أو تحقق هدفا.. ففي كل الأعمال الفنية اقترنت دائماً الرسالة الإنسانية العادلة بنضج التعبير الفني وأصالته.

في مسرحيتي الأولى " نساء بلا أقنعة " اخترت صيغة " المسرح داخل المسرح "، الصيغة التي أصبحت مألوفة في المسرح الحديث، بدأت مسرحيتي بصرخة وبسؤال، لأنني كنت أشعر أني حبلى بالكلمة من عشرات لا بل من مئات السنين. فهل أن الأوان لآلام المخاض أن تعتصر أعماقي وتدفع بكلمتي للوجود.. كلمتي.. حبيبتي.. طفولتي.. ابنتي، أسمع صوتها المختلف عن كل الآهات والإناث المستضعفة المكبوتة المقهورة والمهزومة، والتي يتردد صداها عبر أجيال وأجيال وينوء بها، وبكل المخزون، من رفض للقهر والتبعية، ضمير التاريخ الإنساني.. رفضت أن أخطأ واحدا على الورق ما لم يكن نابعا من أعماقي، ومعبرا عن حقيقة المرأة وقدرتها على العطاء، لذلك استحلفت قلمي بأن يتوقف ولا يسطر حرفا واحدا مستضعفا أو مقهورا، أن شعر أني قد جبنت عن قول الحقيقة، ثم طلبت منه أن يساعدني على أن أخرج إلى الوجود “.

ثم رسالة حاكم الشارقة الدكتور سلطان القاسمي والتي كانت بتاريخ 27 مارس 2007م : ” المسرح ، هذا العالم الساحر ، تعرفت إليه عشقًا وحبًا منذ نعومة أظفاري عندما انجذبت إليه تأليفًا وتمثيلاً وإخراجًا من خلال المراحل الدراسية الأولى .

كانت البداية عفوية لم أحملها أكثر من كونها نشاطًا مدرسيًا يغني الروح والعقل، ولم أدرك جوهره الحقيقي إلا عندما تصديت لتأليف وإخراج وتمثيل عمل مسرحي سياسي أغضب السلطة حينها ، فقامت بمصادرة كل ما كان في المسرح وتم إغلاقه أمام عيني ، فما كان من روح المسرح ، لدى مشاهدتها العساكر بأسلحتهم ، إلا أن تلجأ وتستقر في الوجدان ، حينها أدركت قوة المسرح وجبروته، وبخاصة في مواجهة من لا يتحمل الرأي الآخر ، وتيقنت من الدّور الخطير الذي من الممكن أن يلعبه المسرح أو يقوم به في حياة الشعوب .يا أهل المسرح ، إن عاصفةً قد حلّت بساحاتنا من شدة ما يُثار حولنا من غبار الشّك والريبة ، حتى كادت تحجب وضوح الرؤية لدينا ، وأصواتنا لا تصل آذان كلٍ منّا من كثرة الصراخ والفرقة التي تباعد بين الشعوب ، وتكاد العاصفة تطوح بنا لتبعدنا عن بعضنا لولا إيماننا الراسخ بدور المسرح القائم على الحوار أصلاً . إذاً ، لابد لنا من التصدي والتحدي لمن ينفخ في تلك الأبواق لإثارة تلك العواصف ، ليس لتحطيم هذه الأبواق ، ولكن بالنأي بأنفسنا عن تلك الأجواء الملوثة ، وتكريس جهودنا بالتواصل وإقامة علاقات المودة مع المنادين بالتآخي بين الشعوب .نحن كبشر زائلون ، ويبقى المسرح ما بقيت الحياة “.

كلمة الدكتور سلطان القاسمي، استحضرت ذاكرتي في أحداث مر عليها أكثر من 34 سنة مضت، عندما كنت في 16 من عمري، في أول عمل مسرحي لي مع فرقة أهلية بمدينة طرابلس الغرب في النصف الأول من سنة 1976م، وكان قد أسند لي دور رئيسي في مسرحية ليبية بعنوان "الحيط الخايخ هدمة" أي بمعني أي بناء غير سوي يجب إزالته، وهي من تأليف الكاتب محمد عبدو الفوراوي، وإخراج الفنان المرحوم مختار عوبة، وتقديم "مسرح الجيل الصاعد" والذي تأسس سنة 1960 بطرابلس. في تلك الفترة ونتيجة لوضعي الدراسي والامتحانات، لم أتمكن من المشاركة في جميع العروض التي عرضت لهذه المسرحية في عدة مدن ليبية، ولكن شاركت فقط عند عرضها بمدينة طرابلس، حيث كنت حاضراُ معهم قبل العرض للمساعدة في تجهيز الديكورات والإكسسوارات والملصقات للدعاية، (وهذا بالطبع حال كل الفرق الأهلية) ، أي بتعاون جميع الأعضاء المشاركين في العرض المسرحي ليكون العرض جاهزاُ في موعده، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، فعند المساء وقبل العرض بساعات وبدون مقدمات داهمت مسرح الكشاف مجموعة من الأمن، وكان في مقدمتهم مدير قطاع المسرح في ذلك الوقت، حيث تم إبلاغنا بأن العرض أوقف وعلينا إيقاف كل شيء، حاولت إدارة الفرقة معرفة السبب ولكن كالعادة دون جدوى!!، فلم يمهلونا حتى الوقت الكافي للملمت أنفسنا مما نحن فيه، حيث بدأوا في هدم الديكورات وإزالة الملصقات وإيقاف بيع التذاكر، وما كان علينا آنذاك إلا تنفيذ تلك الأوامر بدون أي سؤال وكان لهم ما كان، وكان علينا ما كان.

وللتعريف بهذه المسرحية "مسرحية "الحيط الخايخ هدمه" مسرحية اجتماعية ليبية باللهجة العامية الدارجة، ليس لها علاقة بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد، ولكن الظروف السياسية التي مرت بها ليبيا في تلك الفترة، بعد تقديم عدة عروض مسرحية في "مدينة بنغازي"، كمسرحية "تداخل الحكايات عند غياب الراوي" ومسرحية "عندما تحكم الجرذان" والتي كانت تحمل في طياتها حوارات مناهضة للسلطة الحاكمة في ليبيا، وهي التي أربكت "الأجهزة الأمنية" لهذا النظام ودفعها بإيقاف أي عمل مسرحي يعرض في ذلك الوقت، خوفاُ منها من حدوث أي ردت فعل عكسية، في ظل الأوضاع السياسية في ليبيا عند منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي.

واليوم وفي هذه السنة وفي ذكرى اليوم العالمي للمسرح، أود القول بأني ومنذ ذلك الوقت ومنذ تلك الفترة و في ذلك العمر، عرفت أن للمسرح دور مهم وكبير، لا تجده ولا تتعلمه على مقاعد الدراسة، ولكن بالتجربة والمحك العملي، تستطيع أن تفهم وتستوعب درس المسرح جيداُ. ومن ذلك الزمن أيضاً، عرفت دور هذا الركح الصغير وهذه الخشبة ضيقة المساحة في الفضاء الخارجي الكبير، ودورها في توعية الشعوب، كما أني ومنذ تلك الفترة وأنا أعايش المسرح الليبي وأتابع وأراقب كل ما رافقه من أزمات عديدة كالإجحاف والإهمال والتهميش، فالخطاب المسرحي يتلقاه المتفرج والمشاهد مباشرة وبدون قيود، وهنا تكمن خطورة هذا الركح "الخشبة"، ولهذا فرضت عليه القيود وشددت ضده المراقبة بكل أنواعها، ولكن يبقي الفنان المسرحي مراوغاُ من النوع العتيد، يوصل خطابه ولو وضعوا فوقه ألف رقيب.

وأخيراُ كانت هذه رسالتي الشخصية في هذه الذكرى العظيمة، كما أوردت بعضاً من رسائل كتاب ومبدعين علي مستوي الوطن العربي، والتي قيلت في سنوات مختلفة بمناسبة يوم المسرح العالمي، معبرين فيها ومن خلالها عن ما يختلج في أنفسهم تجاه المسرح والمسرحيون بأصدق الكلمات والصورة الواضحة والجلية للواقع المسرحي العربي في المتغيرات السياسية، والأوضاع العربية الراهنة. فتحية لهم علي صدق مشاعرهم وأحاسيسهم، مترحمين علي الفنان المبدع "سعدالله والنوس" الذي ترك قيمة إبداعية تتوارثها الأجيال. وكل العام والمسرح والمسرحين بخير في كل أنحاء العالم وفي وطننا العربي وفي بلدي ليبيا متمنياُ لكل فنانينا ومبدعينا الليبيين عام أخر مختلف تزدهر فيه الحركة المسرحية، ويعطي فيه المواطن الإنسان والفنان حقهما الآدمي والبشري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تعبير مسرحي المقصود به من المحيط إلى الخليج

الفنانون والأدباء والكتاب في سطور:

الممثلة البريطانية جودي دينش " Judi Dench " : ولدت في 9 ديسمبر 1934، حاصلة علي جائزة الأسكار كأحسن ممثلة مساعدة في مارس 1998، عن فيلم " شكسبير عاشقاُ ". منحتها الملكة إليزبيت الثانية لقب السيدة " DBE " من منظومة الأمبراطورية البريطانية عام 2003.

الكاتب سعدالله والنوس : ولد في قرية حصين البحر في محافظة طرطوس بسورية عام 1941. درس الصحافة في القاهرة وتخرّج عام 1963، وعمل محرراً للصفحات الثقافية في صحيفتي " السفير " اللبنانية و" الثورة " السورية. كما عمل مديراً للهيئة العامة للمسرح والموسيقى في سوريا، في أواخر الستينيات، سافر إلى باريس ليدرس فنّ المسرح. اكتنفت مسرحياته نقداً سياسياً اجتماعياً للواقع العربي بعد صدمة المثقفين إثر هزيمة 1967 وتوقف النقاد كثيراً عند مسرحيته «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» التي اعتبرت نقطة تحول رائدة في المسرح الواقعي. وفي أواخر السبعينيات، أسهم ونوس بإنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق. أصدر مجلة «الحياة المسرحيّة»، وعمل رئيساً لتحريرها. من العام 1978 حتى 1988. توفي في 15 أيار (مايو) 1997، بعد صراع خمس سنوات مع مرض السرطان.واستسلم في يوم الذكرى الـ49 لنكبة فلسطين، رحل كي لا يشهد على احتفاء جديد بألمنا كما كان يردّد.

الكاتبة المصرية فتحية العسال : كاتبة قصة ورواية ومسرح، عضوه نشيطة ومهمة في عدة مؤسسات وجمعيات تهتم بالدفاع عن المرأة وحقوق الإنسان، إصدراتها المسرحية، " هل أنا حرة أم أدعي الحرية "، " سجن النساء "، " بلا أقنعة "، " البين بين ".

الدكتور سلطان بن محمد القاسمي : ولد في يوليو 1939 بمدينة الشارقة، وهو راعي للأدب والثقافة والفن وينعكس هذا علي إمارته التي تزدهر بالمراكز والمحافل الثقافية. كتب للمسرح مسرحية " القضية " سنة 2000 ومسرحية " الواقع طبق الأصل " سنة 2001، منح جائزة الشيخ زائد للكتاب والشخصية الثقافية للعام 2009 – 2010 .

الجمعة، 26 مارس 2010

أيام عمان المسرحية تحتفي بالمسرح في يومه العالمي


أيام عمان


أيام عمان المسرحية تحتفي بالمسرح في يومه العالمي

بالتزامن مع اليوم العالمي للمسرح تنطلق في العاصمة الأردنية فعاليات أيام عمان المسرحية 16 في 27 آذار/مارس الجاري، والتي تقام بالتعاون بين وزارة الثقافة وأمانة عمـان الكبرى ومسـرح الفوانيـس وتتواصل على مدار 12 يوما، مشتملة على أيام عمان المسرحية، أيام عمان التشكيلية، أيام عمان الموسيقية، أيام عمان الشعرية، عروض أفلام، وعروض الشارع، تتوزع الفعاليات في عدة مسارح في العاصمة عمان، إضافة لمواقع عدة في مدينة الزرقاء بوصفها مدينة الثقافة الأردنية للعام 2010.

وسيتابع جمهور المسرح عروضا متنوعة من ايطاليا/ ليسيستراتا، من نعناع وزيتون وزيت وزعتر/ أمريكا، مشروع لبنان - الحركة الثانية/ بلجيكا، الموت والعذراء/ المانيا، قلب الحدث/ العراق، إحياء للذكرى في مسرح المقهى/ كوسوفو، أنا كارمن! أقول إيه؟/ مصر، الذي نسي أن يموت/ الإمارات، قراءات مسرحية (تشيخوف)/ سورية، الطريقة المضمونة لإزالة البقع/ مصر، نون/ الجزائر، أرض كاليفو/ ايطاليا، بمبة سيليكون/ لبنان، الخادمتان/ لبنان، مذكرات امرأة غير واقعية/ ايطاليا، بمبة سيليكون/ لبنان، بوليرو/ الأردن، الفداوي موال الأجبال/ تونس، سليمى/ الأردن، الفداوي موال الأجبال/ تونس، كوكب الألوان/ الأردن.

ويشار أن مهرجان أيام عمّان المسرحية مهرجان مسرحي أردني عالمي، تأسس العام 1993 تتضمن فعالياته جملة من الفعاليات المسرحية والإبداعية في حقول الموسيقى والشعر والأفلام والمعارض. وتشتمل هذه الفعاليات التي تقام بعض عروضها في ساحات وشوارع العاصمة على مسرحيات من الأردن ودول عربية وأوربية، بالإضافة إلى ورشات عمل وحلقات نقاشية يشارك فيهما العديد من ابرز النقاد والكتاب والباحثين والأكاديميين الأردنيين والعرب في حقل الفنون المسرحية. وكانت الدورة الخامسة عشرة للمهرجان أطلق عليها (دورة فلسطين) بمناسبة إعلان القدس عاصمة للثقافة العربية للعام 2009.
***************
عن مواقع ثقافية منوعة
**************
الصورة عن مسرحية "في إنتظار غودو" للمؤلف بيكت

مدينة المرايا

زهرة مرعي


'مدينة المرايا' لروجيه عساف: سيرة منطقة تشتعل بالصراعات
يعرض عذابات الارمن من خلال حياة بول غيراغوسيان

دخل روجيه عساف المخرج المسرحي المميز في لبنان خشبة المسرح حاملاً على منكبيه تاريخاً من العذاب كان لصديقه الرسام والفنان الأرمني الفلسطيني واللبناني بول غيراغوسيان، وجسده في 'مدينة المرايا'.

التشكيلي المميز بشخوصه وخطوطه ومنحنياته. يختزن في أوردته وفي لون دمائه إبادة بحق الشعب الأرمني في تركيا وارمينيا. إبادة أفقدت والده البصر من شدة التعذيب، وأبقت له عذاب الحياة التي عاد وفقدها بالفقر والمكابدة لتأمين العيش في القدس.

من تاريخ سنة 1915 وتوهان قوافل الأرمن في صحراء دير الزور في سورية، وصولاً إلى القدس، لم يطل زمن الهدوء فهبت رياح الإستيطان في فلسطين وحلت النكبة في سنة 1948، فحملها غيراغوسيان في حناياه ولجأ إلى لبنان. وهكذا رافقته صور الجماعات والرحيل والشخوص في الأمكنة المفتوحة على المجهول في أغلب لوحاته. وفي الكتيب المرفق بالعرض المسرحي كتب روجيه عساف أن بول غيراغوسيان الذي فارق الحياة بعيد إنتهاء الحرب الأهلية اللبنانية في سنة 1993 هو إختزال لـ'ثلاث مآسي وهجرتان.

ومع ذلك لم يكن نازحاً مقتلعاً. بل على العكس كان فناناً مترسخاً في أرض حقيقية لا حدود جغرافية لها. أرض مقدسية حيث تتوارد صلوات بشرية متألمة تماماً كما في أورشليم/ القدس' .بين بيروت والقدس سيل أسئلة يطرح نفسه على المخرج والكاتب روجيه عساف. منذ زمن وهو مسكون بهاجس صديقه الذي يرى فيه تلك الصلة التي تربط بين القدس وبيروت.

حمل همّ المدينتين وراح يبحث عن إجابات لأسئلته. إلى أن قرر طرحها على الجمهور في ما يشبه المونودراما مستعيناً بما يعرف بالفيديو دراما التي شكلت شبه معرض للوحات غيراغوسيان ولتاريخ الهجرتين، ظهرت على شاشة ثلاثية. 'مدينة المرايا' جاء تحية لفنان يعتبر من الرواد، وتزامن مع القدس عاصمة ثقافية للعالم العربي. ومع هذا وذاك تزامن العرض المسرحي التشكيلي مع هجمة صهيونية جديدة لتهويد القدس وإندلاع مواجهات بين الفلسطينيين وجنود الإحتلال.

بول غيراغوسيان المولود في فلسطين وفي القدس تحديداً سنة 1926 بدأ الرسم هناك في ساحات القدس العتيقة. ذاكرته المشكلة بعطر المدينة الأعرق في العالم هي التي سيرت جزءاً من ريشته. وهكذا كما كان في القدس وفي بيروت حيوياً خصباً معطاء ومثيراً للجدل قدمه روجيه عساف على خشبة المسرح. كان عساف ذاك الحكواتي المؤتمن على التاريخ والفن وكذلك الأحاسيس. ففي هذا العرض الإنساني، العاطفي بإمتياز والطارح للأسئلة أصبحنا وجهاً لوجه مع بول غيراغوسيان.

لامسناه، شاهدناه وسمعناه في شريط مسجل وتعايشنا مع أفكاره الفنية التي يمكن إكتشافها من بين عشرات لا بل مئات الأعمال. فشكل لوحته وناسه المتعبين الكادحين هم توقيع بول غيراغوسيان.

هو عرض على حركة لا تهدأ. فرغم خطوات روجيه عساف المدروسة عليك كمتلق متابعة الشاشات الثلاث، وسيبة الرسم إلى يمين المسرح. لم يكن غيراغوسيان التشكيلي هو البطل الوحيد للعرض، للحظات ليست بالقصيرة إنتقلنا إلى عالم الموسيقى. مع غيراغوسيان الأب الذي هجر فاقداً لبصره من أرمينيا حتى القدس. كان موسيقياً. عذّبه الأتراك حتى فقد بصره. وفي القدس مارس العزف ليعتاش مع عائلته. وفي عاصفة ثلجية قوية هوى ليلاً وهو عائد لعائلته وفارق الحياة في المستشفى. وكان على العائلة أن تكابد مزيداً من الفقر والعوز. في هذه الإطلالة على مهنة الأب كان إنفتاح على موسيقى أرمنية شجية تحاكي الأفئدة. وغناء لصحراء دير الزور وما تختزنه من أنين وحشرجات الموت الأرمني.

روجيه عساف الذي إنطلق شكسبيرياً محاوراً للحجر 'نكون أو لا نكون' ثم يدخل إلى تفاصيل السلم والحرب. إلى المدن الكوسموبوليتية كما كانت القدس قبل النكبة. وكما صارت بيروت مستفيدة من نكبة القدس. المدينتان رحبتان في إحتضان الحضارات والأديان. لكن اللعنة تحل على بيروت في سنة 1975، وبالتالي على غيراغوسيان الذي فقد ساقه نتيجة إنقطاع الكهرباء وهو في المصعد.

في عرضه هذا حكى روجيه عساف المفتون بالحكواتي سيرة منطقة تشتعل بفعل الصراعات. من أرمينيا، إلى فلسطين وصولاً إلى لبنان. هذا الثالوث الذي ترك في غيراغوسيان الفنان والإنسان ندوباً جسدها في ناس لوحاته. ورحل ليتركنا نتفكر في كل خط خطه على جسد متعب مهموم.
روجيه عساف لم يمثل كثيراً ولم يتقمص لحدود نسيان ذاته. ترك غيراغوسيان حاضراً فيه فعشنا معه لساعة ويزيد. عرفنا تاريخه. الإشكاليات التي أحاطت بمحطات حياته المأساوية. شاهدنا وتمتعنا بلوحاته التي تنبض ألماً. وشاهدناه في لقطة مصورة وسألنا لماذا كل هذه المآسي على هذا البشري؟

لقد جمع روجيه عساف تقنيات متعددة في عرضه جذبتنا إلى كل تفاصيله. وجاءت أغنية 'دير الزور' لألين خاتشادوريان لتضع المتفرجين على حدود الرجفة لما تتضمنه من ألم وصوت معبر.

كان العرض جميلاً جداً أضاء فيه عساف من خلال شخصية بول غيراغوسيان على حقبة زمنية تمتد لقرن وفي منطقة ملتهبة على الدوام. 'مدينة المرايا' عرض لمخرج وممثل أسس مسرح الحكواتي سنة 1966. ونال العديد من الجوائز أخرها الأسد الذهبي في لينال البندقية في سنة 2008 عن مجمل أعماله.
***********
عن القدس العربي


خــارج الزمن .. لروناك شوقى

فاضل السلطاني

لا تتعب روناك شوقي من نضالها المسرحي الشاق وتجريبها، في الوقت الذي تعب فيه كثيرون، من مسرحيين وغير مسرحيين، فحين تتعذر صالة التدريب، وهي غالبا متعذرة، يكون بيتها البديل، وحين يعزّ الممثلون، تحوّل أصدقاءها إلى لاعبين على الخشبة (مثل مذيعة الـ«بي بي سي» السابقة سلوى الجراح التي شاركت معها في ستة عروض سابقة)، وإذا كان هناك نقص في أعداد الممثلين، المناضلين مثلها في ظروف أقل ما يقال عنها إنها استثنائية، تلجأ إلى تدويرهم، كما عملت في عرضها الأخير «خارج الزمن»، (مثلت الجراح دور زوجة الوزير والعمة، والقديرة مي شوقي، المربية وابنة العم، وهند الرماح، الممرضة وابنة العمة)، وحين يُستعصى العثور على النص المسرحي المناسب، تلجأ روناك إلى زملائها الشعراء والكتاب، بما يشبه الإلحاح، لفعل شيء ما، وقد توفر عليهم مشقة الاختيار، فتقترح عملا روائيا، أو قصة قصيرة، وقد تفعل ذلك بنفسها، كما في إعدادها لقصة «الأرجوحة» للقاص العراقي محمد خضير، أو أعمال الروسي أنطوان تشيخوف، القصصية والمسرحية، أو الشاعر والكاتب المسرحي الأسباني غارسيا لوركا. فعلت ذلك في دمشق لأكثر من عشر سنوات، وتفعله في لندن منذ أكثر من عشر سنوات أيضا. فلا حياة لها بلا بشر يتحاورون على خشبة مسرحها الفقير دائما، ويشبكون الحكاية تلو الحكاية، وهي في الحقيقة، حكاية واحدة ذات فصول لا تنتهي: الوطن والمنفى، والحرية والقمع، والضحية والجلاد.

عمل روناك شوقي المسرحي الجديد «خارج الزمن»، الذي قدمته مؤخرا على مسرح «كوكبيت» بلندن لمدة ثلاثة أيام، يعيد سرد الحكاية نفسها، الحكاية التي لم تنتهِ بعد في أماكن كثيرة من هذا العالم، ولم تصبح بعد «خارج الزمن»، وربما أفضل من روى هذه الحكاية، هو الروائي (والسياسي) البيروفي ماريو فارغاس يوسا في روايته «حفلة التيس» (ترجمها إلى العربية صالح علماني)، وقد أصاب الشاعر عواد ناصر في اختيارها وإعدادها، ونجح في التقاط الجوهري في هذه الرواية الضخمة، التي «تبدو وكأنها كتبت عن العراق في محنته المزمنة، وابتلائه بالدكتاتور»، كما يقول ناصر.

الرواية الأصلية تتناول فترة نظام الدكتاتور روفئيل ليونيداس تروجيلو، الذي حكم الدومينيكو نحو 31 سنة (قريب من فترة حكم صدام حسين)، من 1930 حتى اغتياله عام 1961، وكان تروجيلو قد تدرب في فيلق المارينز الأميركي أثناء احتلال أميركا للجزيرة، وأصبح بعد انتهاء الاحتلال عام 1924، قائدا للشرطة الوطنية، ثم أصبح رئيسا للبلد مرتين، من 1930 إلى 1938، ثم من 1942 إلى 1952، لكنه بقي الحاكم الفعلي للبلاد إلى يوم مقتله على يد أفراد من حلقته المقربة الخاصة.

وعنوان الرواية مأخوذ من اسم أغنية ألفها نيكو لورا، وأحبها الدكتاتور نفسه، وتبدأ هكذا «لقد قتلوا التيس»، ولم يدُر بخلد الدكتاتور أن الناس سيرددونها فرحا بمقتله، لتصبح ما يشبه النشيد الوطني إلى الآن.

الرواية، كأي عمل جيد، ذات بعد إنساني شامل، مهما كانت الأسماء، سواء أكانت «زهرة» العراقية، كما في الإعداد، أو «يورانيا كابرال»، كما في النص الأصلي، ومهما كانت الأمكنة والأزمنة، سواء في العراق، منذ وقت قريب، أو الدومينيكان في الخمسينات والستينات، فالطغاة متشابهون عبر التاريخ، والدمار الهائل الذي يلحقونه بالإنسان هو نفسه، والآثار الكارثية التي تبقى بعدهم لا يمكن محوها بسهولة.

من النقطة الأخيرة، تبدأ الرواية والنص المسرحي، تعود زهرة، (مثلت دورها روناك شوقي) (أو يورانيا في الرواية) إلى وطنها بعد 35 سنة في المنفى لتزور أبيها المريض، الوزير السابق (مثل دوره علي فوزي، أحد رواد المسرح العراقي)، ولتواجه ماضيها، لعلها تتحرر منه إلى الأبد، ومن خلال هذه المواجهة، سيتكشف لنا الماضي المرعب متمثلا في سقوط الأب الأخلاقي، ففي الرابعة عشرة من عمرها، قدم الأب ابنته زهرة «هدية» للدكتاتور، للحفاظ على مكانته عنده، والسقوط الأخلاقي بقدر ما هو نتاج الدكتاتورية، هو شرطها أيضا، فالدكتاتور لا يمكن أن يصنع نفسه بنفسه، بل يصنعه الناس. تصنعه الـ«نعم» الدائمة، والخضوع الذي اتخذه توماس مان عنوانا لروايته الشهيرة التي تتحدث عن فترة النازية، ودرسها البليغ: ما كان هتلر سيكون هتلر لولا الخنوع. تعود زهرة، متجاوزة ألمها الشخصي واغتصابها المعنوي (كان الدكتاتور عاجزا جنسيا، كأغلب الطغاة)، لتصرخ بالأب: «لماذا لم تقل (لا) يا أبي؟»، وكان الدكتاتور قد حاول من قبل استدراج أمها، مستغلا غياب زوجها الوزير، أحد أعوانه المقربين، ومع ذلك، كانت زهرة ستكتفي بكلمة واحدة من أبيها: آسف، ليس لتسامحه فقط، بل ليتطهر هو أيضا من فعلته الشنيعة، وتواطئه مع جرائم الدكتاتور، لكن الأب يموت من دون أي شعور بالندم، بل يظل مصرا على الدفاع عن الدكتاتور السابق، كيف يمكن لإنسان أن يسامح آخر لا يعترف بخطئه الرهيب، بل قد يعتبره صوابا؟

لقد أفلح المعد والمخرجة في التركيز على هذا المحور، وهو الأهم، في رواية «حفلة التيس» ذات المحاور المتداخلة، فبالإضافة إلى محور عودة الابنة، التي يبدأ بها النص الأصلي والمشهد الأول من النص المعدّ، هناك محور الأيام الأخيرة من حياة الدكتاتور (مثل دوره رسول الصغير) التي يكشف فيها يوسا عن الحلقة الضيقة التي تحيط به، ودسائسهم ومؤامراتهم، وهي الحلقة التي ينتمي إليها الأب الوزير نفسه، وهناك أيضا محور الإعداد لعملية الاغتيال، ثم الاغتيال، وما تبع ذلك، من تغييرات سياسية كبيرة أثرت على مستقبل البلد كله.

بعد ضياعها في المدينة المهدمة، تعثر زهرة على البيت، الذي تغير كساكنيه، كيف يشعر الإنسان وهو يقف وجها لوجه أمام باب بيته بعد أكثر من 30 سنة؟ كيف يحس وهو يحدق بالماضي؟ تواجه زهرة، أول ما تواجه، العمة وبناتها، اللواتي ما زلن كما كنّ، يلكن الأحاديث اليومية المملة، لاهيات عن تغيرات العالم حولهن، بل جاهلات بما كان يدور في الخارج من مآسٍ ومذابح يومية على يد النظام، الذي ما زلن يدافعن عنه، لأنهن لم يكتوين بويلاته، باستثناء تلك الابنة، التي تركها خطيبها حسب أمر رسمي لأن أخاها ينتمي إلى المعارضة، تماما كما كان يحدث في العراق.

تقطع المخرجة مشهد عودة زهرة عدة مرات، لتبدأ الذاكرة استرجاعاتها الأليمة، ليس لكشف الماضي فقط، وإنما لمحاكمته أيضا، واستعانت المخرجة بالفيديو في أحايين كثيرة، تاركة لنا فسحة من الوقت لاسترجاع أنفسنا من فيضان الذكريات المفاجئة، التي تدمينا بها «زهرة»، أهي ذكريات فعلا؟ هل انتهى الماضي، ليتحول إلى ذكرى في حاضر مختلف؟ هل أصبحت هذه الأحداث الدامية خارج الزمن فعلا؟ لا شيء ينبئ بذلك. لقد تخرب شيء إلى الأبد، ليس في المكان فقط، البيت والمدينة، بل في الروح، لا يمكن ترميم ذلك، كما ترمم الآثار، فعلت الفاشية فعلها، لكن هل انتهت؟ يطل عليها وجه الدكتاتور بين فترة وأخرى، وكأنه يذكرنا بحقيقته، وليقول لنا إنه كان على صواب فيما فعل من أجل البلاد (صفة مشتركة بين كل الطغاة)، إنها ليست مسرحية فقط. إنه الواقع الصلد، والماضي الذي لا يريد أن يتحول إلى ماضٍ. يقول لنا الدكتاتور: أنا موجود، وإن كنت أغيب أحيانا، موجود فوق رؤوسكم، بل في دواخلكم أيضا.

أنا لست خارج الزمن، بل في القلب منه تماما، ولن أنتهي حتى تنتهوا أو تولدوا من جديد. ولكننا لا نولد من جديد حقا إلا إذا اكتسبنا وعيا جديدا. وهذا ما يبدو قد تحقق في حلقتها العائلية الصغيرة، بعدما انكشفت حقيقة الأب، وحقيقة النظام الذي تماهى معه حتى لحظته الأخيرة في الحياة. لم تتزوج «زهرة» في المنفى، وحتى لم يلمسها رجل، لقد قتلها الدكتاتور كامرأة وهي في الرابعة عشرة من عمرها، وقتل الأب، الذي سلمها هدية له، أخلاقيا وروحيا. قتل المكان والزمان أيضا، ولم يعد هناك شيء، ولكن يبدو أن الحقيقة تستحق كل هذا الثمن الرهيب.

انتصرت زهرة كإنسان على الدكتاتور أخيرا، وعلى الأب، وعلى المنفى، وحتى على نفسها، لأنها تملك الحقيقة، وقد بلغتها للآخرين. وهذا هو درس المسرحية والرواية البليغ: لا تدعوا ذلك يحدث لكم.. لا تدعوا الفاشية تمرّ مرة أخرى.
****************
عن الشرق الاوسط

كيف عرفت آرثر ميللر؟

بقلم : ألفريد فرج

طفأت مسارح برودواي نيويورك أضواءها وأغلقت أبوابها اعلانا للحداد ليلة وفاة الكاتب المسرحي الأمريكي الأول آرثر ميللر‏(1915‏ ـ‏2005)‏ وبرودواي هو حي المسارح في نيويورك‏,‏ ولعله أن يكون أكبر حي للمسارح بمدينة في العالم قياسا علي عدد الدور المسرحية فيه وعلي تعداد جمهوره‏.‏

وآرثر ميللر كان من أكبر‏..‏ ولعله أكبر كتاب المسرح في العالم اليوم قياسا علي رأي معظم الدارسين والنقاد‏,‏ وقياسا علي اقبال الفرق المسرحية في أنحاء العالم علي انتاج مسرحياته بلغتها أو بلغات أخري عديدة‏,‏ بما في ذلك اللغة الصينية حيث قدمت دار مسرحية في بكين مسرحيته وفاة بائع متجول ودعت المؤلف لإخراجها بنفسه‏.‏وقد حصل ميللر علي جوائز كثيرة أهمها جائزة بوليتز‏(1949)‏ وهي أرفع جائزة أدبية في الولايات المتحدة‏,‏ وجائزة نقاد الأدب‏(1949)..‏ وذلك في مناسبة عرض مسرحيته وفاة بائع متجول‏,‏ ونال جائزة توني وهي أرفع جائزة مسرحية أمريكية‏,‏ وجائزة أوليفييه الانجليزية لأحسن مسرحية في العام لمسرحية البوتقة التي قدمها المسرح القومي البريطاني سنة‏1990,‏ ومنحته الدكتوراه الفخرية جامعات هارفارد الأمريكية وأكسفورد البريطانية‏,‏ كما افتتحت جامعة انجليا الشرقية مركزا للدراسات الأمريكية باسمه‏.‏

ولعل في حياة آرثر ميللر عدة محطات اتصل فيها الاعلام العالمي به حتي شاهدنا صورته وأنباءه علي الصفحات الأولي للصحف المصرية والصحف العالمية‏.‏

أولي هذه المناسبات كان الاهتمام العالمي الفائق بمسرحيته وفاة بائع متجول‏,‏ والمناسبة الثانية كانت استدعاءه للتحقيق أمام لجنة السيناتور ماكارثي الشهيرة ضمن عشرات الكتاب والمخرجين ورجال السينما والفن للتحقيق فيما سمي بالنشاط المعادي لأمريكا وكان في حقيقته تحقيقا في ميول يسارية للفن والأدب وسينما هوليوود‏,‏ وكان هذا وجها من أوجه الحرب الباردة أساء لسمعة الديموقراطية الأمريكية إساءة بالغة‏..‏ ولعلي أعود إلي الحديث عن ادانة آرثر ميللر باهانة الكونجرس‏(‏ كذا‏)‏ والحكم عليه بخمسمائة دولار غرامة والحبس شهرا مع ايقاف التنفيذ‏(!)‏

والمحطة الثالثة التي دفعت باسم آرثر ميللر إلي صدر الاعلام هي زواجه المثير بنجمة هوليوود الفاتنة مارلين مونرو الذي استمر خمس سنوات من‏1956‏ إلي‏1961‏

والمحطة الرابعة كانت عرض مسرحيته الرائعة وفاة بائع متجول في برودواي واحياؤها سنة‏1999‏ بمناسبة مرور خمسين سنة علي عرضها الأول سنة‏1949‏ والاستقبال الحافل لها من الجمهور والنقاد‏.‏

وفي الأدب‏(‏ الأنجليزي‏)‏ الأمريكي ثلاثة مسرحيين يعتبرون من العمالقة وهم يوجين أونيل‏(1888‏ ـ‏1953)‏ وقد فاز بجائزة نوبل للأدب عام‏1936,‏ ويعتبر الأب الروحي للمسرح الأمريكي‏.‏

والكاتب المسرحي الأمريكي الثاني هو تنيسي وليامز‏(1911‏ ـ‏1983)‏ وقد عاصر وزامل آرثر ميللر‏,‏ وأشهر مسرحياته عربة اسمها اللذة التي حققت نجاحا فائقا علي المسرح في برودواي سنة‏1947,‏ وقط فوق صفيح ساخن‏(1955),‏ وقد كان نظير ميللر في الفوز بجائزة بوليتزر الأدبية وجائزة توني المسرحية‏,‏ وقد انتجت هوليوود معظم مسرحياته‏..‏ وكانت في قمة النجاح في السينما كما في المسرح‏.‏
فالمسرح الأمريكي قام علي ثلاثة أعمدة أحدثت نقلته إلي القمة في القرن العشرين‏.‏

ولكننا لم نعرف ذلك في الجامعة‏,‏ وإنما اجتهدنا لمعرفته بجهدنا وحبنا للأدب المسرحي‏.‏

في أوائل الخمسينيات تعرفت بالكاتب المسرحي ميخائيل رومان‏,‏ وكنت التقي به في مقهي كان يرتاده في شبه انتظام في حي التوفيقية بالقاهرة‏.‏

لم أكن كتبت للمسرح بعد ولم يكن قد كتب أولي مسرحياته الدخان التي عرضها المسرح القومي‏1962‏

كنا نتحدث عادة عن المسرح بمصر وفي العالم‏,‏ فقال لي عرضا أنه قد ترجم مسرحية وفاة بائع متجول وأنها ستنشر قريبا‏..‏ فأثار حديثه فضولي فأراد من كرمه أن يشبع فضولي فأعطاني نسخة مكتوبة علي الآلة الكاتبة لترجمته للمسرحية‏..‏ فلما قرأتها أثارت شغفي بمعرفة الكاتب وزميله تنيسي وليامز والرائد يوجين أونيل‏,‏ وكان ذلك هو الباب الذي دخلت منه إلي أدب القصة للمبدع هيمنجواي ومعاصره شتاينبك وغيرهما بعد ذلك‏.‏

وربما يكون من المفيد اعادة نشر المسرحية في ترجمة كاتب مسرحي قدير مثل ميخائيل رومان‏,‏ وانتاجها بمسرحنا القومي‏.‏ وإن كنت أتمني أيضا أن يقوم المشروع القومي للترجمة بتقديم أهم مسرحيات ميللر‏,‏ ومقالاته الرفيعة عن فن المسرح وعن مسرحياته أيضا‏,‏ فنكون بذلك من الحاضرين المنتدي الثقافي والفني العالمي والحديث‏.‏

ومع أن مسرحنا القومي لم يقدم أبدا مسرحية ميللر الشهيرة فقد قدم له سنة‏1963‏ مسرحية شهيرة أخري هي مشهد من الجسر بطولة الفنان القدير توفيق الدقن‏..‏ ولعلها أن تكون مدفونة في خزائن التليفزيون مع سائر المسرحيات المنسية أو المهملة‏,‏ ويعيد اكتشافها البرنامج الرائع كنوز مسرحية‏.‏

وفاة بائع متجول هي قصة رجل بسيط مهنته السفر بين المدن لعرض عينات من منتجات الشركة التي يعمل بها علي التجار‏,‏ وحثهم علي الشراء‏.‏ وقد كبر سن البائع ويلي لومان حتي صار يخشي أن تتعرض سيارته التي يقودها لحادث يهدد حياته‏.‏ وقد تعب من التجوال والسفر المستمر‏,‏ وأصبح يحلم في الصحو فيختلط الواقع عنده بأوهامه‏,‏ ويتذكر لحظات من حياته الماضية وكأنها واقع حاضر‏,‏ ويتطلع إلي الراحة ويتمني أن يمنحه المدير وظيفة مكتبية في مقر الشركة‏.‏

والمدير شاب صغير ورث الشركة عن أبيه‏,‏ وويلي لومان كان مقربا من الأب وكان يداعب ابنه وهو طفل ويدلله‏,‏ فلا يعقل أن يرفض له طلبا بعد الخدمة الطويلة‏..‏ لكن مدير الشركة يرتب علي عجزه عن مواصلة العمل قرارا بفصله حيث لم يعد منتجا أو قادرا علي الاستمرار‏(!)‏ ويلي لومان له أخ غني وناجح‏,‏ يزور أخاه والأسرة زيارات جد قصيرة‏,‏ يكلم الأخ ولا يكاد يسمع منه‏..‏ وويلي له ولدان ويعتبرهما فاشلين‏,‏ والوالدان يجافيانه لأن أحدهما ضبطه مرة في الفندق مع واحدة من بنات الهوي‏.‏ ولما يحمل عليه الولد تدافع الزوجة عن زوجها‏..‏

الأسرة تواجه مأساة‏,‏ والأب يحطم قلبه قرار الفصل فيركب سيارته‏..‏ ويقع له حادث يقتله‏.‏

هل انتحر؟ هل مات بالقضاء والقدر؟‏..‏

نهاية المسرحية ترثيه زوجته بمناجاة مؤثرة‏:‏

سامحني يا عزيزي‏.‏ لا أستطيع البكاء‏.‏ لا أعرف لماذا لا أستطيع البكاء‏.‏ لا أفهم‏.‏ لماذا فعلت ذلك؟ ساعدني يا ويلي فأنا لا أستطيع البكاء‏.‏ يخيل لي أنك لست إلا في رحلة أخري وأتوقع عودتك‏.‏ عزيزي ويلي‏..‏ لا أستطيع البكاء‏.‏ لماذا‏.‏ انتحرت؟ ابحث وابحث وابحث عن السبب الذي لا أفهمه يا ويلي‏.‏ لقد دفعت آخر قسط من دين رهن بيتنا اليوم‏,‏ اليوم يا حبيبي‏,‏ ولكن البيت لم يعد فيه أهله‏.‏

‏(‏غصة في حلقها‏)‏ لقد تحررنا من الدين وخلص البيت لنا‏(‏ تبكي كأن دموعها تحررت من الاحتباس‏)‏ تحررنا اليوم‏..‏ تحررنا‏..‏ فلماذا فعلتها؟
كتب ميللر ثماني عشرة مسرحية وخمس قصص وستة كتب في النقد والسيرة الذاتية‏.‏

كنت في أوقات سابقة قد كتبت عن مسرحيات له هي الزمن الأمريكي وهي أقرب إلي سيرة الشباب في أيام الأزمة الاقتصادية المروعة أعوام‏1929‏ إلي‏1932,‏ ومسرحية اليانكي الأخير والزجاج المهشم وكلهم أبنائي و البوتقة ومنظر من الجسر‏...‏

كلها مسرحيات يتكرر انتاجها في الغرب بوتيرة عالية‏,‏ وقد شاهدت بعضها بلندن وروما وفي باريس وبرلين علي ما أذكر‏.‏ ويقبل عليها المشاهدون جيلا بعد جيل‏,‏ وربما يستمر إحياء مسرحيات ميللر أجيالا كثيرة مقبلة‏.‏

وبذلك تصبح هذه المسرحيات ومثلها من الروائع العالمية مرجعا فكريا للشباب والكبار جيلا بعد جيل‏,‏ وتظل شخصياتها ومواقفها أمثولات تقاس بها المواقف والأفعال والأقوال في العصر الحديث‏.‏

وهكذا تصبح أشهر المسرحيات وأعمقها تأثيرا عنصرا من عناصر تكوين الشخصية الفردية والشخصية الاجتماعية الحديثة في بلاد كثيرة ويصبح المسرح صلة بالعالم وموقع لقاء العالم‏.‏

وكثيرا ما نصحت اخواني أهل المسرح المصري بتكوين فريق مسرحي مختص بالمسرح العالمي يقدم للشباب وللأجيال خلاصة الفكر الحديث ويكون من عناصر التكوين للفضائل والحكمة والرؤية السديدة واللقاء بالدنيا‏,‏ علي أن يقدم عشر مسرحيات أو عشرين مسرحية كل عام بنفقة معقولة كما فعل مسرحنا القومي أحيانا في الستينيات‏,‏ ومسرح التليفزيون شعبة المسرح العالمي بفضل قيادة حمدي غيث‏.‏
************

السبت، 20 مارس 2010


مسرح ومسرحيون ومقاهي

الجزء الأول

بقلم/ بعيو المصراتي


مع الفنانين عيسي عبد الحفيظ، محمد إبراهيم، مفتاح الفقيه، الهادي البكوش، علي دعدوش ومجموعة من فناني المسرح الحر- طرابلس في العرض المسرحي "رحلة أبن دانيال" للكاتب المغربي المسكيني الصغير والمخرج المغربي يحي العزاوي سنة 1990، وكان أول عرض لهذه المسرحية لأول عرض علي خشبة المسرح الحر "سينما قابي" سابقاُ

إعتبر معظم الناس المسرح مكانا يذهب إليه المتفرجون للمشاهدة أو للمتعة أو للتسلية أو كوسيلة مـن وسائـل الكشـف عـن طبيعـة الإنسـان و التعـرف إليه، أما علماء الاجتماع فيرون بأنه وسيلة من الوسائـل التعليـمية والتثقيفية، تكشـف خفايـا المجتمع فتعمـل على تطهيـر النفـس البشريـة وتنقيتها وترفيهها، بطريقة غير مباشرة وذلك لعمـل التوازن داخـل المجتمع من جهة وداخل الفرد من جهة أخرى، وهناك من يرى بأنه المراءة التي تعكس واقعهم وتعبر عن أحلامهم وطموحاتهم بل وأحيانا انكساراتهم، وذلك من خلال العرض المسرحي أي "الفرجة المشهدية" والتي يمثلها الممثلون على منصة المسرح بتركيبته الكلاسيكية، والذي يعرف باسم "العلبة الإيطالية، أو بالطرق التجريدية الحديثة، أو أي طريقة من طرق العرض التي توصل الرسالة المطلوبة.

غير أن من يعملون في هذا المجال، ينظرون إلى المسرح بمعنى آخر، فالمسرح بالنسبة لهم يضم جميع العناصر التي تتضافر معا للوصول إلى (رؤية مسرحية) تحمل في طياتها كل العناصر المطلوبة، لاستكمال الصورة المتخيلة للوحة إبداعيه، يشارك فيها عدداً من الفنانين المبدعين.

ولنشأة المسرح حكاية أسطورية : في إحدى ليالي ذاك الزمن القديم، تجمّع رجال في مقلع للحجارة طلباً للدفء حول نار مشتعلة وتبادل القصص والأحاديث. وفجأة، خطر في بال أحدهم الوقوف واستخدام ظله لتوضيح حديثه. ومن خلال الاستعانة بضوء اللهيب، استطاع أن يُظهر على جدران المقلع شخصيات أكثر جسامة من أشخاص الواقع. فانبهر الآخرون، وتعرّفوا من دون صعوبة إلى القوي والضعيف، والظالم والمظلوم، والإله والإنسان البائد. وفي أيامنا هذه، حلت مكان نيران المباهج التي توقد في المناسبات الخاصة والأعياد الأضواء الاصطناعية، وجرى الاستعاضة عن جدران المقلع بآلات المسرح المتطورة (1).

كما يكشف المسرحي المغربي المخرج "الطيب الصديقي" فهمه للمسرح على أنه يبلغ الأفكار ويعتبر ضرورياً للتفاهم ولفهم العالم ..انه وسيلة لفهم الحياة ..إن المسرح نقطة لقاء الفنون الأدب، لغة الجسد ، الصوت ، الرقص ، الموسيقى ، الفنون التشكيلية ، الضوء ، الألوان ..انه لا يوجد في المجرد وإنما في عالم محدد : عالم العنف الحرب القمع العطش للحب كذلك (2) .

ويقول المخرج الإنجليزي "بيتربروك" : علينا أن نقوم بعمل يشبه وخز الشرايين بالأبـر ، (3) كما ويقول الكاتب المغربي "محمد مسكين" في مسرحية النزيف المسرح لحظة صحوا...... فلنصحوا ... ولنجعل رئة هذا الوطن تنزف ....تنزف (4). ويقول الكاتب العربي المغربي "المسكيني الصغير"، المسرح إلى جانب كونه فرجة وترفيه، هو فكر ومعرفة وفلسفة، يجمع كل المتناقضات، ويؤرخ لحالة اجتماعية، وهو لا يتجزأ من المعرفة في المدرسة والثانوية والجامعة، وازدهار المسرح رهين بالفرجات الأخرى (الموسيقى ، التشكيل، الشعر ،الرواية...) فإذا لم تزدهر هذه الفنون أصاب المسرح الوهن، وبات لا مبرر له في الحياة (5).

إذن للمسرح علاقة أبدية بالناس عامة، بالمشاهد، بالمتفرج، حيث يعتبره البعض كذلك من الطقوس الدينية القديمة، أو من الاحتفالات و التظاهرات الدينية والاجتماعية والشعبية، إلي الأسواق الشعبية كـ "سوق عكاظ" حيث الشعر والشعراء، ومنه إلي حكايا الناس وقصص البطولات عند الحكاواتي في المقاهي الشعبية كما في مسرحيات الكاتب السوري "سعد الله والنوس"*، والسامر و الراوي والحلقة لدى المخرج والكاتب الجزائري "عبد القادر علولة"**، والسرد الشعبي للتراث واستحضاره في الواقع المعاش، المسرح الثالث لدى الكاتب "المسكيني الصغير" ومسرح النقد والشهادة للكاتب "محمد مسكين" والحكايات والفرجة الشعبية للكاتب الليبي "البوصيري عبد الله"*** .

إن المشاهدين والمتفرجين وصانعي الحدث والمشاركين فيه، هم الوقود الدائم للمسرح وللمسرحين، من مؤلفين ومخرجين وممثلين ومبدعي "الفرجة" أو العرض المسرحي، حيث ينشأ بينهم تواصل وأخذ وعطاء، مما ينتج عنه كتابة وإخراج وتأسيس هذه الفرجة أو العرض المسرحي، كل هذا يحدث عندما تلتقي كل الأطراف في مكانا ما حيث يتناقشون فيما بينهم ويتبادلون أطراف الحديث، فهذا يفيد وهذا يستفيد، ومن هنا كان للمقاهي في كل أنحاء العالم تاريخ وباع طويل في هذا المضمار، حيث يلتقي فيها الفنانون والمسرحيون والموسيقيون والأدباء والكتاب والشعراء والمثقفون بجميع أنواعهم وبمختلف آرائهم و أفكارهم وأطوارهم، مع عامة الشعب وعلى كل المستويات وجميع شرائح المجتمع، فكم من مسرحيات وكم من كتب وروايات خرجت من أعماق هذه المقاهي، تحمل في طياتها طعم ورائحة القهوة ذات النكهة الفريدة، سطرها أدباء وكتاب خلدتهم كتب التاريخ عبر الأزمنة والعصور.

يقول "جان بول سارتر"” :عندما كنت أعمل مدرسا لم تكن لدي النقود الكافية لكل أموري الحياتية والمعيشية، لذلك كنت أعيش في فندق وشأني شأن جميع الكتاب والفنانين الفرنسيين، حيث كنا نقضي جل أوقات النهار في المقاهي المتناثرة هنا وهناك في باريس“ (6) ، وهكذا تحولت المقاهي إلي حالة أخرى أو لنقل نوع من المكاتب أو الدوائر بالنسبة للكتاب والأدباء والمسرحيون، الذين كانوا يكتبون ويتناولون طعامهم ويستقبلون ضيوفهم ويتعاقدون على أعمالهم في نفس الوقت، وبمقابل ثمن فنجان قهوة واحد كان المقهى يوفر لهم الدفء في أجواء باريس الشتوية الباردة.

وفي البداية علينا أن نوجز ولو بشيء مختصر حكاية هذا "المقهى"، الذي صال وجال في هذا العالم، المقهى في منشأ التسمية، هو المكان الذي يحتسي فيه الناس القهوة. ومع إن العرب عرفوا القهوة في اليمن منذ زمن بعيد، إلا إن المقاهي تأخر ظهورها في المدن العربية إلى القرن السابع عشر فصاعدا. فالمدن العربية طالما اكتظت بالخانات والحانات والمقاصف والملاهي، لكن المقهى بصورته التي استقر عليها لاحقا والمعروفة لدينا، ظل غريبا عن المدن ومجتمعاتنا العربية.

وحسب ما هو منقول عبر التاريخ وما دونه الكتاب بأن بداية أولى المقاهي في العالم كانت في إسطنبول في سنة 1554 م، علي أيدي اثنين من السوريين ....وفي سنة 1558، عندما تزايد عدد المقاهي، قامت حاشية السلطان وتابعيه بتقديم النصح لسلطانهم، فقام بإغلاقها بعد أن تحولت إلى نواد للمثقفين والكتاب والأدباء، يناقشون فيها فساد الحكم وينتقدون السلطان جهاراُ وعلناً. ولم يتردد السلطان مراد الرابع، في أوائل القرن السابع عشر، في إصدار فرمانه المشهور الذي قضي بإعدام جميع من بتعاطي القهوة والتبغ والأفيون (7).

إذن كانت المقاهي ومنذ بداياتها، مرصودة لذم السلطات وانتقادها، ولممارسة كل أنواع النقد السياسي والمجاهر به، ولاجتماع الكتاب والأدباء والمثقفين والسياسيين مع من حولهم من عامة الناس. وللمقاهي دور أخر في تمضية أوقات الفراغ "وما أكثرها في بلادنا العربية" وإطلاق الشائعات والتسلي بالنميمة والقيل والقال، ومع مرور السنين والأعوام علي هذه المقاهي العربية أصبح الجزء الأخير لوظيفتها هو السائد، بعد أن أطبقت السلطات الحاكمة في كل ربوع الوطن العربي، قبضتها علي الكتاب والأدباء والمثقفين.

ومن خلال هذه الورقة، سنتطرق لبعض المقاهي الأدبية في الوطن العربي، والتي كان لها الدور البارز في التقاء، الفنانون من مسرحيون وكتاب وأدباء ومثقفون وشعراء وموسيقيون حيث سطرت إبداعاتهم تاريخ هذه الأمة جيلاُ بعد جيل.

ولتكن البداية، من مدينة طرابلس الغرب، حيث كان عقد الستينيات هو فترة نمو وتطور المشهد الثقافي والأدبي و المسرحي في ليبيا، وكان لهذا تأثيره علي بروز المكتبات الثقافية وثقافة الكتاب فتجد مختلف الكتب والمجلات والصحف اليومية العربية والإنجليزية فيها، وكان من أبرز معالمها في هذه الفترة، المقاهي الأدبية الثقافية والسياسية، حيث يلتقي فيها الأدباء والكتاب والفنانون، من مختلف الأعمار والأجيال، يتناقشون ويتحاورون ويتشاكسون، في كل أمور الشأن الثقافي والاجتماعي والسياسي، طارحين أفكارهم وأرائهم بكل حرية مع المواطن والمشاهد والحاضر في تلك المقاهي، فمن هنا كان التواصل والتلاقي والفائدة التي عمت علي الجميع، حيث تبادل الأخبار وآخر المستجدات على الساحة الأدبية، فعلى المثال:- هذا الكتاب صدر حديثاُ عن طريق دار الفرجاني للنشر والتوزيع، وهذه المسرحية تعرض علي ركح مسرح الغزالة، وهناك علي مسرح الحمراء حفل موسيقي غنائي، وفي صحيفة "الحقيقة" مقال للصادق النيهوم (الرمز في القرآن)، حيث يثار جدلاً واسعاُ بين الأدباء والكتاب والصادق النيهوم من جهة، وبين علماء الدين والمفكرين من جهة أخرى، وكل هذا الجدل وبالرغم من اختلاف الآراء والتوجهات، إلا أننا نجده يحمل في طياته أخلاق النقد والحوار بين الكتاب والصحافيين والمثقفين وبين عامة الناس.

ومن بين تلك المقاهي الثقافية الأدبية المعروفة في تلك الفترة، مقهى الخضراء الواقعة بالقرب من ميدان الغزالة، حيث المكان المفتوح والأرض الخضراء تحوطها من كل جانب، والبحر يرسل نسائمه ينعش بها رواد هذا المقهى، من فنانين وأدباء وكتاب فيزيدهم طاقة إبداعية يساهمون بها في إثراء الحركة الثقافية والفنية، وخاصة فنانو المسرح المجاورين لهذا المقهى، بمسرح الغزالة حيث مقر المسرح القومي بطرابلس، فكان إعداد المسرحيات والتدريبات والعروض المستمرة تأخذ مكانها بالمسرح، وفي المكان الثاني "مقهى الغزالة" يكون النقاش والحور والنقد البناء لا الهدام بين جماهير الفن ومثقفيه وكتابه ومبدعيه، فكانت الحوصلة بإنتاج مسرحي بقي في ذاكرة المسرح الليبي، علي مر العقود والأعوام. أمثال راشمون والزير سالم وأهل الكهف وشركان في بيت زارة و "تاجر البندقية" و"كاليجولا" و "عطيل" للمخرج المرحوم الأمين ناصف وبطولة المرحوم الفنان شعبان القبلاوي التي أجريت البروفه النهائية ولكن لم يحظي الجمهور بمشاهدتها لظروف ومتغيرات سياسية حالت دون ذلك، وغيرها من الأعمال المسرحية والفنية التي رصدت الحالة الثقافية والاجتماعية والسياسة في ليبيا في تلك الفترة. إنها صورة جميلة ورائعة لهذا الحضور الثقافي والأدبي الذي انعدم بالكامل في وقتنا الحاضر.

(يتبع)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصــادر:

1- حكاية نشأة المسرح عن موقع ويكيبيديا.

2 - المخرج والكاتب المغربي الطيب الصديقي "تجربة المسرح بالمغرب" مجلة الثقافة المغربية: يونس الوليدي "استلهام التراث في المسرح الهاوي المغربي" مايو 1999.

3 - بيتربروك : مخرج مسرحي وسينمائي، بريطاني الجنسية ولد في لندن، فرنسي الإقامة، مؤسس المركز العالمي للأبحاث المسرحية في باريس، ومدير فرقة مسرح ( البوف دي لورد ) التجريبية حياته. بدأت حياته المسرحية منذ عام 1946 عندما قدم للمسرح والسينما أعمالا تلو الأعمال، وصلت إلى أكثر من ستين عملا مسرحياُ.

4 - محمد مسكين : ناقد وكاتب مسرحي، مغربي الجنسية، أحد أهم مؤسسي مسرح النقد والشهادة في سبعنيات القرن الماضي بالمغرب، له عدت مسرحيات من تأليفه وله بحوث ومؤلفات في المسرح، أحد مؤسسي فرقة المسرح العمالي بوجدة {المغرب}، قدمنا له بالمسرح الحر، مسرحية "النزيف" 1984 ،توفي سنة 1987 بأزمة قلبية.

5 - المسكيني الصغير : باحث وناقد وكاتب مسرحي، مغربي الجنسية، مؤسس المسرح الثالث {المسرح الفقير} بالمغرب في سبعينيات القرن الماضي، له عدت مؤلفات مسرحية تنظر وتدعم المسرح الثالث، له كتب وبحوث في شتي فروع المسرح، قدمنا له بالمسرح الحر – ليبيا مسرحية " رحلة أبن دانيال " 1990 و له عدت أعمال مسرحية أخرى قدمتها فرق من ليبيا بعد هذا التاريخ.

6- جان بول سارتر : {1905 – 1980} ، فيلسوف وروائي وكاتب مسرحي فرنسي، بداء حياته العملية أستاذاُ، منح جائزة نوبل للأداب سنة 1964.

7 - جريدة القدس العربي 15/7/2002.

* سعد الله والنوس : {1941 – 1997}، كاتب مسرحي سوري، قدمت مسرحياته علي خشبات مسارح دول

الوطن العربي، من أهمها "الملك هو الملك"، "الفيل ياملك الزمان"، مسرحياته تحاكي السلطة و المواطن.

** عبد القادر علولة : كاتب ومخرج جزائري، ولد سنة 1929 وأغتيل سنة 1994 في موجة الإغتيالات بالجزائر

في تلك الفترة، كتب وأخرج العديد المسرحيات بالهجة العامية، أحد مؤسسي المسرح الوطني بالجزائر 1993،

ومؤسس مسرح الحلقة وله بحوث وتجارب مسرحية في هذا المسرح، إلتقينا به سنة 1991 عندما زار ليبيا لتقديم

مجموعة عروض مسرحية، وأشهرنا تؤمة بين المسرح الحر- طرابلس وبين فرقته من أجل تقدبم الأعمال

المشتركة.

*** البوصيري عبدالله : كاتب مسرحي وباحث ليبي، له العديد من الكتب والمؤلفات المسرحية، من أهم مسرحياته

"الغربان وجوقة الجياع"، والتي تحصلت علي الترتيب الأول في مسابقة التأليف المسرح سنة 1972 ، إستحضر

التراث و الحكايات الشعبية في أعماله، ومنها مسرحية "بضربه واحدة قتل عشرة".